القاهرة | على الرغم من اقتراب انتهاء المهلة التي حدّدتها الحكومة المصرية للتعامل مع المخالفين من الأجانب المقيمين على أراضيها بحلول أواخر الشهر الجاري، لم تُجدِ الإجراءات التي عمدت إلى تنفيذها خلال الشهور الماضية، للتعامل مع مشكلة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا البلاد في السنوات الفائتة من دون أن تكون لديهم أوراق ثبوتية، نفعاً، وسط غياب التقديرات الحكومية عن أعداد غير المسجّلين منهم في «مفوضية اللاجئين». وفيما تشير البيانات الرسمية إلى وجود أكثر من 9 ملايين أجنبي، من بينهم 600 ألف لاجئ تقريباً مسجّلين في «المفوضية» - بخلاف الفلسطينيين الموجودين على الأراضي المصرية -، يرتبط الجزء الرئيسي من المشكلة بالأعداد الأكبر من السودانيين الذين دخلوا مصر سواء بصورة غير شرعية أو شرعية منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان، علماً أن التقديرات الحالية تشير إلى استمرار تدفّق نحو ألف سوداني على الأقل بشكل غير رسمي عبر المدقات الجبلية على الشريط الحدودي.وكانت القاهرة عمدت إلى تيسير دخول السودانيين براً وجواً في وقت سابق، لكنها باتت تتشدد حيالهم في الشهور الأخيرة، عبر تأخير استخراج التأشيرات لأعداد كبيرة منهم رغم استيفائهم الأوراق، في وقت تُجرى فيه مراجعات أمنية عبر أقسام الشرطة لهويات القاطنين منهم في بعض المناطق. أيضاً، زادت مصر من رسوم إقامة المهاجرين، وحصرت سدادها بالعملة الأجنبية، وذلك في محاولة لتوفير مصادر دخل إضافية بالدولار في ظل أزمة نقص العملة. ومع هذا، يبدو أن الحكومة المصرية عاجزة عن معالجة ملف المهاجرين، رغم اشتغالها على توفير بيانات إحصائية عن أعدادهم وأماكن تواجدهم، من خلال استخراج بطاقات تسجيل لهم، بغضّ النظر عن أسباب إقامتهم الدائمة.
ولم تستطع الحكومة تفعيل الإجراءات التي كان من المقرر أن تتخذها سواء بترحيل المخالفين أو بتغريمهم مالياً، مع عدم قدرتها على الوصول إليهم لأسباب عدة. وبموجب قرار من مجلس الوزراء، كان يفترض أن يجري وقف تقديم أي خدمات حكومية لأي شخص مقيم في البلاد ولا يملك بطاقة التسجيل التي أعلن عن إتاحتها وتتضمن بيانات تفصيلية يجري تقديمها للسلطات، عبر وزارة الداخلية، وهي الجهة المخوّلة بحصر هذه الأعداد. على أن توعّد الحكومة المخالفين بإيقاف الخدمات المقدّمة لهم، بدّدها واقع أن معظم هؤلاء ليست لهم تعاملات رسمية مع المصالح الحكومية، ولذا لن يتأثروا بقرارات الحكومة، وهو أمر تسعى الأخيرة للتعامل معه عبر آليات أخرى، فيما يواجه المرضى منهم الذين هم بحاجة إلى علاج في المستشفيات الحكومية الضرر الأكبر.
رصدت الحكومة العديد من الشركات الوهمية التي أسّسها سودانيون بهدف الحصول على إقامة مستثمر


وفي حال كانت مسألة تمديد المهلة مطروحة خلال أول اجتماع لمجلس الوزراء بتشكيلته الجديدة الأسبوع المقبل، فإن ثمة تشريعات وضوابط قانونية يجري العمل على بلورتها عبر الجهات المعنية لـ«تقنين» أوضاع المخالفين، مع استبعاد ترحيلهم إلى بلادهم، وخصوصاً السودانيين. وفي دور الانعقاد المقبل للبرلمان أيضاً، سيكون على الحكومة تقديم مشروع قانون «لجوء الأجانب»، والذي سيتيح فرصة للاجئين لتوفيق أوضاعهم في غضون عامين على الأكثر من إقراره وإعلان لائحته التنفيذية، مع تأسيس لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تتبع رئيس الحكومة بشكل مباشر، وتكون مسؤولة عن وضعية اللاجئين وحلقة وصل بين المنظمات الدولية والحكومة المصرية.
وعلى أي حال، تقدّر بعض الجهات أن الأعداد قد تصل إلى مليوني شخص، بعضهم يعيشون في ظروف صعبة مع تأخر اعتمادهم كـ«لاجئين» في المفوضية، مع الأخذ في الاعتبار أن 600 ألف من المسجلين في المفوضية اليوم، جرى تسجيل أكثر من نصفهم خلال آخر عامين فقط. ومن بين الجنسيات التي زادت أعداد وافديها إلى مصر، الفلسطينيون، مع وجود ما يناهز 120 ألف فلسطيني دخلوا من قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وهم عائلات ترى الحكومة المصرية أنها بحاجة إلى «توفيق أوضاعها في أقرب وقت مع عدم قدرة بعضها على مغادرة الأراضي المصرية إلى وجهة ثالثة». وفي الأسابيع الماضية، رصدت الحكومة العديد من الشركات الوهمية التي أسّسها سودانيون بهدف الحصول على إقامة مستثمر لمدة عام، وهي خطوة لم تكن مفاجئة، في ظل سعي القاهرة للحصول على استثمارات أجنبية. وتنتظر الموافقات على أنشطة هذه الشركات، في الوقت الحالي، موافقات أمنية قبل اعتماد تسجيل سودانيين أو أبناء جنسيات أخرى كعاملين فيها. وفي هذا الوقت، تبقى خيارات الدولة المصرية في التعامل مع اللاجئين المخالفين محط ترقب حتى نهاية الشهر الجاري، بالتزامن مع سعيها الحثيث للحصول على تمويل ودعم خارجييْن في مقابل السماح ببقائهم على أراضيها.