وبينما حرص السيسي على تأكيد طهارة يده ونظافته من تهم الفساد، بل واحتفاظه بفواتير الطعام الخاصة به في القصر الرئاسي، لم يقدّم أي معلومات واضحة أو ردوداً مقنعة على عمليات الإسناد بالأمر المباشر أو الجدوى الاقتصادية من المشاريع التي ينفّذها، وخاصة في قطاع الإنشاءات العقارية، بعدما أدى التوسع فيها بصورة غير مسبوقة إلى حالة من الركود وصعوبة في البيع. الرئيس، الذي تضايق من الحديث عن مسألة وفاة والدته والمقبرة التي تم تجهيزها على أعلى مستوى لها في زمن قصير، اعترف بوجود تجهيزات تجاوزت قيمتها مليوناً و400 ألف دولار، لكن على نفقته الخاصة، ليخلص إلى أن الانتقادات ضد أداء الجيش في المشاريع المدنية تستهدف «تدمير الدولة المصرية وإسقاطها».
فجأة، تذكّرت الدولة تحريك ملف «النهضة» لتوجيه الأنظار إليه
أيضاً، عبّر «الجنرال» عن خوفه من اندلاع ثورة جديدة ضده على غرار «25 يناير»، محذراً للمرة الأولى من التفكير في ثورة مماثلة، بعدما نسب أزمة سدّ النهضة إلى الثورة؛ إذ رأى أن إثيوبيا لم تكن تستطيع أن تبني السدّ على مجرى النيل ما لم تندلع «25 يناير». يدرك الرئيس أن صورته اهتزّت كثيراً أمام الرأي العام، وأن قاعدته الجماهيرية التي يستند إليها تتساءل عن أمور كثيرة، ما جعل التكليفات بالدفاع عنه تصل إلى دائرة أقرب المقربين منه على مواقع التواصل للمرة الأولى، وسط حملات إلكترونية لتجميل صورته، والقول إن معارضته وقت الحرب «خيانة للوطن»! مع ذلك، يحاول السيسي عبور الأزمة بمزيد من الردود الشخصية وليس التجاهل، على عكس ما نصحته به الأجهزة الأمنية المختلفة التي أكد أن مسؤوليها كادوا يقبّلون يده كي لا يتحدث في الأمر، لكنه لم يستجب «من أجل مصارحة الشعب».
يأتي كل ذلك في وقت بدأت فيه مصر تصعّد لهجتها تجاه أديس أبابا بعد أشهر من الخمول في ملف «النهضة»، إذ أكد وزير الخارجية، سامح شكري، أن القاهرة على استعداد دائماً للوصول إلى نقطة توافق بخصوص مفاوضات السد، مشدداً على ضرورة التوصل إلى اتفاق في أقرب فرصة، لأنه «لا مجال لمحاولة أي طرف فرض إرادته على الآخر بخلق واقع مادي». وجاءت تصريحات شكري بالتزامن مع بدء اجتماع وزراء الريّ في مصر والسودان وإثيوبيا أمس، بهدف استئناف المشاورات حول تنفيذ «اتفاق المبادئ» الذي تم التوقيع عليه في آذار/ مارس 2015، أي بعد انقطاع دام وقتاً أطول مما كان مقرراً، وهو ما ترك الأمور معلّقة لمدة طويلة. وقال شكري إنه إذا ما تجاوزَت الأضرار (القدر المعقول)، فسوف «يخرج الأمر تماماً عن قواعد القانون الدولي والعرف الذي يحكم العلاقة بين الأنهار العابرة للدول»، معرباً عن أمله في «وضع مسار تفاوضي وفقاً لجدول زمني محدّد، يفضي إلى وثيقة قانونية ملزمة تحدّد وتنظّم العلاقة بين الدول الثلاث».