لم يخرج مجلس أمناء جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت امس، بعد نحو ٦ ساعات من التداول، بقرار واضح في شأن مصير قرارات اقفال المدارس وصرف المعلمين التي هزت الجمعية في الساعات الأخيرة، ما عدا انه سيكون لكلية خديجة الكبرى «عناية واهتمام» لدى المجلس، وما قيل عن ان رئيس الحكومة سعد الحريري ابلغ المفتي عبد اللطيف دريان أنه «سيتم دفع خمسة مليارات ليرة بصورة مستعجلة لتخفيف المعاناة التي تعيشها المقاصد».عزّ على أهل المقاصد أن تنفجر أزمة الجمعية في وجههم. أمس، تملكهم الذهول والفضول في آن. ردّدوا بغضب: «ماذا يحصل؟ هل هذه هي مكافأتنا، نحن من تحمّل حكاية العجز المالي على مدى 20 عاماً وقبول «الذمم» على رواتبنا ومستحقاتنا من باب الانتماء إلى المؤسسة؟ ألم يعد هناك مخرج للأزمة سوى إقفال المدارس وصرف مئات المعلمين وتشريد آلاف التلامذة؟ حتماً، ثمة من يجب أن يحاسب على فعلته طيلة هذه السنوات وعلى ما أوصل الجمعية إلى ما وصلت إليه، لكن ليس نحن بالتأكيد!». ما استوقفهم بصورة خاصة هو التكتم على الموضوع وصدور قرار الإقفال بين ليلة وضحاها من دون سابق إنذار وفي وقت حرج بعدما اكتمل التسجيل في معظم المدارس.
القرار وقع على كلية خديجة الكبرى في بيروت (70 معلماً و783 تلميذاً) وثماني مدارس شبه مجانية في القرى. ففي الشمال، طاول الصرف 100 استاذ وأكثر من 1000 تلميذ في وادي خالد ومشمش وبيت أيوب ـــ القرنة ودير عمار. وفي محافظة الجنوب، هناك مدرسة القرعون (150 تلميذاً و11 معلماً)، وصديقين (173 تلميذاً و10 معلمين). أما في الصويري البقاعية فكان التشريد من نصيب 275 تلميذاً و13 معلماً. كذلك أقفلت مدرسة برجا في جبل لبنان (أكثر من 200 تلميذ و13 معلماً).
وحده خبر إقفال كلية خديجة الكبرى (مدرسة خاصة غير مجانية) استنفر الجميع. لم يكن أحد يتوقع أن تصل الجرأة إلى هذه المدرسة تحديداً، خصوصاً أنها واصلت تسجيل تلامذة للسنة المقبلة حتى آخر لحظة، وهي في الواقع ليست في عجز، إذ تبلغ قيمة الأرض التي تقام فوقها نحو 100 مليون دولار، إلا إذا كان الهدف بيع العقار لتسديد جزء صغير من العجز الكبير. ليس لدى أهل المقاصد أي إثبات في شأن صحة ما أشيع عن بيع المدرسة لليسيه عبد القادر أو عرضها للبيع، لكن إذا كان الأمر صحيحاً، «لماذا لا يُنقل المعلمون والتلامذة إلى مبنى ثانوية عبد القادر قباني في منطقة برج أبو حيدر، وهو مبنى مجهز إنما مهجور، ولا يحتاج تأهيله إلى الكثير؟».
وصلت كتب الصرف قبل ساعات قليلة من الموعد النهائي للإنذار


المديرون تواصلوا على الفور مع بعض أعضاء مجلس الأمناء الذين نفوا علمهم بأي قرار من هذا النوع، إلاّ أن رئيس الجمعية، فيصل سنو، أكد، في اللقاء مع الأهالي أمس، أنّه لم يكن قرار رئيس، بل قرار مجلس أمناء. مع العلم أن الرئيس مفوض باتخاذ أي قرار والعودة إلى مجلس الأمناء تكون للاستئناس ليس إلاّ.
المعلمون والأهالي والتلامذة خرجوا بعفوية إلى الشارع، ما إن تبلغوا «القرار القاتل»، كما سموه، لا سيما أنه أتى قبل ساعات قليلة من 5 تموز (المهلة القانونية لتبليغ كتاب الصرف بموجب المادة 29 من قانون تنظيم المدارس الخاصة بتاريخ 15/6/1956).
إشعارات الصرف وصلت، بواسطة ليبان بوست، إلى منازل المعلمين، مساء أول من أمس، بينما تبلغت إدارات المدارس شبه المجانية قرار الإقفال بواسطة الاتصال الهاتفي، بداية هذا الأسبوع.
المحتجون الذين اعتصموا أمام المدرسة ساروا في تظاهرة باتجاه دار الفتوى علهم يسمعوا خبراً يشفي غليلهم. خرج إليهم المفتي عبد اللطيف دريان ليطمئنهم بأن كلية خديجة الكبرى، ستبقى ولن تقفل، قبل أن يحضر رئيس الجمعية ووزير التربية مروان حمادة وتعقد خلوة بمشاركة نائب بيروت فؤاد مخزومي ونزيه نجم، فيعود الجميع إلى المعلمين والأهالي وأبنائهم الذين كانوا ينتظرون على أحر من الجمر، ويتحول تأكيد المفتي إلى تمنٍ على رئيس الجمعية بإعادة النظر بالقرار، في اجتماع مجلس الأمناء بعد الظهر، وقد تعهد الرئيس بذلك.
لكن في اللقاء «المغلق» مع المعتصمين، استغرب هؤلاء الفوقية التي تعامل فيها رئيس الجمعية معهم حين رد على من شكوا التشريد والتهديد بلقمة العيش بالقول: «هيدا الكلام ما إلو عازة وبلا طعمة».
في المقابل، وعد وزير التربية بالعمل مع وزارة المال للإفراج عن منح المدارس المجانية المتأخرة منذ عام 2013 كي تتمكّن الجمعية من تسديد مساهمتها لصندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة (متأخرات بقيمة 10 مليارات ليرة)، وكي يتسنّى للمتقاعدين من مدارس الجمعية قبض تقاعدهم أو تعويضاتهم. وكشف أن الحل سيخرج من اجتماع مجلس صندوق التعويضات، الثلاثاء المقبل. لكن المعلومات تشير إلى أنّ هذه المستحقات مرهونة أيضاً للمصارف لأربع سنوات! وأعضاء مجلس الإدارة يصرون على دفع المتأخرات لإعطاء التعويضات.
نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، رودولف عبود، كان يعلم أن رئيس الجمعية سيأخذ قرارات كبيرة نظراً للعجز المالي، لكنه لم يتوقع اقفال مدارس وصرف معلمين وتلامذة تسجلوا لا سيما في «خديجة الكبرى». ينتظر النقيب ربح المعركة بعد تدخل مفتي الجمهورية، ويتمنى أن يحرك وعد وزير التربية أزمة سيولة مصطنعة كانت أم حقيقية، يتذرع بها اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة لعدم تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب.