«شيّد قصورك ع المزارع/ من كدّنا وعرق إيدينا»... يعلو صوت الشيخ إمام، ونستعيد إيماننا بالثورة، وحنيناً قديماً إلى أوطان حرّة، وشعوب حرّة. على وقع أغنيته الشهيرة، تسلك السيارة طرقات بيروت الضيّقة. الوجهة: غرفة الجلوس في مواجهة محطة «الجزيرة»، نافذتنا الوحيدة المشرّعة طوال النهار والليل، على الحدث... المحطة التي فضحتهم، فحاولوا أن يقطّعوا أوصالها، لكنّها ما زالت تبثّ من كل ساحات مصر الغاضبة. من بيروت التي قهرت الاحتلال الإسرائيلي إلى أم الدنيا: ألف سلام. ومن رصيف المقهى (الذي كان اسمه «الويمبي»)، حيث أردى مقاوم جنود الاحتلال، في شارع الحمرا عام 1982... إلى السويس والمنصورة والإسكندرية... وسائر المدن والبلدات التي تحتضن أبطال 25 يناير 2011. من الجنوب الثائر إلى ميدان التحرير، سلاماً. يا أهل مصر، طمئنونا عنكم بعد «جمعة الرحيل».
بكم يستعيد العرب شبابهم وآمالهم المهدورة منذ عشرة أيام... ومعكم عدت أنا مراهقة تهتف على الأكتاف. أراقبكم وأشعر أنني بينكم في مداخل الميدان. شتّان بين الأمس واليوم. التاريخ لا يعود إلى الوراء، لكنّ التقدّم سنّته، كما كنّا نؤمن في أزمنة غابرة: مصر ستكون حرة ديموقراطية، وستنبذ الذلّ والاستسلام...
كثيرون نستحضرهم اليوم، رحلوا قبل أن يروا شروق شمس مصر من جديد، وقبل أن يسمعوا صرختها المدوية. ولو كانوا هنا، لتحرّروا من اليأس والملل وقرروا البقاء ردحاً من الزمن! نستحضر شيخنا العاشق/ جاي وراشق/ ينادي مصر مع فؤاد نجم: «يا نسيم الشوق يا طاير/ خذ لمصر في الصبح كلمة/ طول ما يبقى الركب ساير/ يبقى ضامن يمشي آمن». في بيروت نحتضن الـ«لاب توب»، لنتواصل معكم عبر الفايسبوك، محرّك الثورات في زمننا، مع تويتر ويوتيوب... نكتب لكم ما يفوتكم من أخبار... نرسل إليكم صوراً وأغاني وكودات محطة الجزيرة...
وأنتم ما زلتم هنا، في ميدان التحرير تتمرّدون على المرتزقة. ترفعون القبضات مردّدين مع الشيخ إمام «أنا الشعب ماشي وعارف طريقي». الشيخ حاضر بينكم، يقود المتظاهرين في ميدان التحرير، وكل الميادين، من ثورة الكرامة إلى ثورة الغضب. نتابع تحركاتكم وندندن: «إيه في أمل» مع زياد وفيروز. إيه في أمل مع تونس البوعزيزي... إيه في أمل مع المقاومة في لبنان... في أمل معكم في ميدان التحرير. نتمتم مع محمود درويش «ونحن نُحِبُّ الحياة إذا ما استطعنا إِليها سبيلا». كل القصائد والأغنيات التي نعرفها تستعيد معناها القديم. لقد لازمتنا طويلاً على شكل بكائيّات هاربة من عهد بائد، وها هي تنبعث من الركام عنواناً لعصر جديد... القصائد تحاول أن تلحق بالواقع الذي سبقها إلى ميدان التحرير. نسمع الشيخ إمام يقول لكم، وللشعوب العربيّة مجتمعة: «عيني على بُكرا وقلبي معكم...». من بيروت قلوبنا تنبض معكم... ابقوا بخير، طمئنونا عنكم.
(بيروت)