يكتسب العرض بهذه الطريقة معانيَ تجهيزية وإن كانت خفيفة، ولكن الأساس يظل أننا نرى لوحات متتالية داخل لوحة واحدة، بينما اللحظة «الراديكالية» لا تصمد كثيراً أمام المقترح التسويقي الذي يقوم عليه العرض. أغلب الموجودات الحاضرة في الجدارية سبق أن شاهدناها في أعماله ومعارضه السابقة، من القامات البشرية المتلاصقة المرسومة بمزاج تعبيري مقتضب، إلى الأرتال البشرية المتناهية في الصغر التي تصطف أسفل لوحة تنسدل من أعلاها ستائر أو صفائح لونية عملاقة، ثم الأشكال ذاتها وهي تائهة وضئيلة في فضاء بأمداء مفتوحة، وإلى النساء العاريات المتلاصقات بنفس الطريقة والتقنية.
تعبيرات تجريدية قائمة على جزئيات واقعية وتشخيصية ذكية
يتوالى هذا «الرول» الشكلاني من دون مفاجأة أو انعطافة يمكن أن تسمح بانبعاث انطباعات مختلفة. المفاجأة الوحيدة ربما هي في تنفيذ الجدارية المتطاولة وحدها، وفي طريقة عرضها، أما الباقي فهو رسومات جاهزة لا تثير أي قلق لدى الرسام اللبناني نفسه، فهو يرسم أشياء يعرفها ولا يأتي بجديد فيها. هذا لا يلغي الأهمية الأسلوبية لتجربة شوقي شمعون ذات التأثيرات التجريدية الأميركية، ولا يلغي جماليات التعبير فيها. لقد استثمر الفنان تلك التأثيرات، وخصوصاً تجريدات جاكسون بولوك الفريدة، ومزجها مع مدونته المشرقية ولونياتها وأطروحاتها المحلية، وقدم أعمالاً لافتة بقوتها الشكلانية وتعبيراتها التجريدية القائمة على جزئيات واقعية وتشخيصية ذكية. ولكن الاعتراف بكل ذلك لا يلغي، بالمقابل، أن المعرض يضم لوحات متصالحة مع نفسها، وأن الرسام مستسلم لفكرة أن يعرض رسومات آمنة لا يواجه فيها تحدياتٍ أو مغامرة جديدة. وتلك اللوحات التي سبق أن امتدحناها في معارض سابقة لا تدفعنا الآن إلا إلى تأمل أدائها المتكرر وغير الحيوي هنا. أما اللحظة «الراديكالية» التي تحدث عنها الرسام فهي على الأرجح موجودة في شكلانية العرض، وربما في بُعده التسويقي والتزييني أيضاً. ليست هناك مشكلة في فكرة التسويق طبعاً، ولكن ما نراه هو أعمالٌ يحدث فيها الرسم على السطح ويفتقر إلى تلك العاطفة أو ذاك الأسى الذي ينزل عادةً على اللوحة مع ضربات الخط واللون.
* شوقي شمعون: A Happening Installation: حتى 16 كانون الأول (ديسمبر) ـــ غاليري «مارك هاشم» (وسط بيروت). للاستعلام: 01/999313.
