دمشق | «فانية وتتبدّد»، فيلم سينمائي سوري من إنتاج «المؤسسة العامّة للسينما»، يحاول فيه المخرج نجدة أنزور الدخول إلى عوالم «داعش» من خلال فكرة قصّة كتبها بالشراكة مع هالة دياب، وأعدت لها السيناريو وعالجتها درامياً ديالا كمال الدين. تدور أحداث العمل في بلدة سوريّة عانت ويلات سيطرة التنظيم الإرهابي عليها، وسط احتدام الصراع بينه وبين «جبهة النصرة».
صراع تتوالى فصوله بين التوافق في ما بينهما، وصولاً إلى الخلاف على المكاسب، ما يُعطي الجيش العربي السوري فرصة استعادة البلدة وتخليص أهلها بمساعدة أحد «الدواعش» من أبناء البلد، الذي اختار الانحياز لإنسانيته وأهله في مواجهة القبح والفظاعة.
يُوحي «فانية وتتبدّد» بما يمكن اعتباره نبوءة جديدة من نبوءات المخرج الذي اختار عبر أعمالٍ تلفزيونيةٍ سابقة على غرار «الحور العين» (تأليف هالة دياب) و«المارقون» و«ما ملكت أيمانكم» (تأليف هالة دياب)، فضح الإرهاب المتسترّ وراء الفهم الخاطئ للدين واستشراف نتائجه. نبوءات هوجم أنزور بسببها واصطدم بالمؤسسة الدينية، وتعرّض لتهديداتٍ بالقتل من جانب متطرّفين. غير أنّه لم يتراجع، بل قرّر المضي في فيلمه الجديد نحو مسافةٍ أبعد.
صوِّرت بعض المشاهد في داريا التي دارت فيها اشتباكات حقيقية
يقول أنزور لـ «الأخبار» إنّ الشريط «يركّز على إنسانية الإنسان، ولدينا رسالة هامة نريد تأكيدها من خلاله، مفادها أنّ الدين الذي يدفعك لقتل الناس من أجل رفع رايته ليس ديناً، والإله الذي يدفعك للقتل لكي تنال رحمته ليس إلهاً. حتى أولئك الذين يصنَّفون على أنّهم وسطيون في فهمهم للدين، يحملون مفاهيم مغلوطة عنه. رغم أنّنا نتطرّق أيضاً للمواجهة في ما بينهم، وبين أصحاب الفكر المتطّرف، الذين أحلّوا هذه الإيديولوجيا المتوحشّة محل العقل الإنساني، لنصل في النهاية إلى ما وصلنا إليه».
عند زيارة «الأخبار» لكواليس فيلم «فانية وتتبدّد» في داريا (محافظة ريف دمشق)، سلكنا طريقاً فرعياً بين البساتين على جانب المتحلق الجنوبي لدمشق، يؤدي للمدينة الواقعة في الغوطة الغربية، يبدو فاصلاً بين عالمين متناقضين: تناقض الحياة والموت. دمارٌ كبير لحق بتلك المدينة التي لا تزال تشهد اشتباكات، جعل من أحد مناطقها موقع تصويرٍ مثالي للفيلم، بعدما أعاد مهندس الديكور بديع جحجاح منح بعض الملامح الحياتية للمكان، مع الإبقاء على كونه ساحة صراع.

كان يُفترض أن نحضر تصوير المشهد الأخير للفيلم، لولا أنّ الأمطار الغزيرة التي هطلت على دمشق قبل أيّام قليلة حالت دون اكتماله. ذلك المشهد يعبّر عن انتصار الجيش العربي السوري، عندما يتعاون الجندي «مازن» (علي بوشناق) مع الداعشي العائد إلى حضن الوطن «أبو دجانة» (مجد فضّة) على رفع علم البلاد في ساحة البلدة، وسط فرحة أهلها لخلاصهم من «داعش» بوجوهٍ أرهقها الحزن، وأجسادٍ يكسوها السواد. هذا الانتصار أتى بعد استنجاد «أم مازن ــ ثريا» (رنا شميس) بابنها لإنقاذ أخته الطفلة «نور» (أيمي فرح) من براثن سوقها زوجةً إلى فراش الأمير «أبو الوليد» (فايز قزق)، ومهدّت له عودة أحد عناصر التنظيم الإرهابي لرشده وانحيازه لإنسانيته، ما أفضى لسيطرة الجيش على المنطقة.
ربّما يعبّر هذا المشهد عن رؤية لنهاية متفائلة، يراها أنزور «ليست بعيدة، فالوطن يحميه أبناؤه مهما اختلفوا، والحكومة السوريّة تفتح ذراعيها لمن يريد إلقاء السلاح، من دون أن تكون يديه ملوّثة بالدماء، ونحن نريد من خلال فيلمنا تكريس هذه الحالة».
كان فايز قزق يتهيّأ لمشهدٍ آخر، يصوّر هروب «أبو الوليد» متنكّراً بثياب امرأة، وعلى عادته لم يشأ الممثل الحديث للصحافة عن رؤيته لشخصيّة يؤديها، تاركاً الحُكم للمتلقي بعد المشاهدة. لكنّه اعتبر في كلماتٍ متقضبة لـ «الأخبار» أنّ «فانية وتتبدّد» يعبّر «عن توقّف الزمن، وسحق الآخر على أيدي وحوش هذا العصر، لكنّه ليس إلّا محاولة سينمائية واحدة».
مع العودة لاستكمال تصوير مشهد الفيلم الأخير الذي أعاقه المطر وبعض المتفرقات الأخرى في مدينة دمشق، يتوّقع مدير الإنتاج فايز السيّد أحمد ألا يتجاوز عدد أيام التصوير الفعلية الأربعين يوماً، ولكن لم يُحدّد موعد عرضه.
ونوّه أحمد في تصريحه لـ «الأخبار» بأنّ التحضيرات للفيلم بدأت في شهر آب (أغسطس) الفائت، وشملت تلقي مجموعة أطفال تدريباتٍ على السلاح في ما يشبه «معكسراً خاصاً أعدّه لهم مدربّون من الأمن الوطني». هؤلاء الأطفال سيتم إلقاء الضوء من خلالهم على آليات استغلال «داعش» وتجنيدهم.
«لن تروا في فيلم «فانية وتتبدّد» ما تشاهدونه من فظائع «داعش» على يوتيوب. مهما حاولنا التقليد، لن نصل إلى تجسيد تلك الفظائع كما تبدو في الحقيقة». كلامٌ يختم به أنزور حديثه عن فيلمه الجديد، وتؤكّده الكاتبة ديالا كمال الدين قائلةً: «هدفنا هو الإضاءة على حقيقة «داعش» من الداخل، والتركيز على القصّة الإنسانية. قصة الطفلة «نور» التي تبلغ من العمر 11 عاماً، ومحاولة الأمير «أبو الوليد» اغتصابها تحت مسمى الزواج. هكذا، نحاول استدارج المشاهد لعيش التجربة كاملةً، وتوضيح أنّ هذا الأمير وأمثاله يفهمون اللعبة تماماً، وهم ليسوا بوارد السعي وراء دولة إسلامية، بل يطمعون بتحقيق مكاسبهم الدنيونية من ذلك: السلطة، والمال، والجنس». ولفتت كمال الدين إلى محاولة تقديم شخصيّات تمثّل معظم شرائح المجتمع بهذا الفيلم «هكذا ندحض ما يُقال بأنه لايوجد سوريون في صفوف «داعش» أو التنظيمات الإرهاببية الأخرى، فأيّ حرب أهلية في النهاية لا يمكن أن يتجاوز عدد المقاتلين الأجانب فيها سوى نسبة ضئيلة، ولا يمكن أن نستمر بهذه الرواية».