«مريم»، و«الأم»، و«سوريون» ثلاثة أشرطة روائية، أنجزها المخرج باسل الخطيب (1962) في السنوات الثلاث الماضية (إنتاج المؤسسة العامة للسينما) بوصفها ثلاثية روائية تضع في اعتبارها أحوال المرأة السورية ومكابداتها في ظلّ الحرب. لكننا لن نجد تلك الوشائج السردية الصريحة التي تضم هذه الأفلام في جديلةٍ واحدة، لجهة مصائر الشخصيات أو المعمار الحكائي، أو وحدة المكان. لكل فيلم منها حكايته المغلقة والمكتفية بذاتها. ربما سنتوقف برهةً عند اسم «زينة» في فيلمه الأخير «سوريون». ففي «مريم» نتعرّف إلى طفلة باسم «زينة» أنقذها جندي مهزوم في حرب الـ 67، بعد أسر أمها مريم في القنيطرة. وها نحن أمام «زينة» (ميسون أبو أسعد) أخرى. امرأة وحيدة في حالة احتضار، تعيش في بيت منعزل، ترفض رغبة عمها (رفيق سبيعي) في الذهاب إلى المستشفى، ليقينها بأنّ لا فائدة من علاج مرضها. كما أنّ العم لم يتمكّن من إقناع ابنه «يوسف» (محمود نصر) من الإقامة معه، بعدما أحرقت الجماعات التكفيرية بيته، وقتلت زوجته وأطفاله. لم يغادر يوسف خرائب بيته، مدفوعاً بالثأر الفردي من أعدائه في المقام الأول. وإذا به أقرب ما يكون إلى «القاتل المتسلسل» عبر القنص اليومي لخصومه بتسلله إلى مكامنهم، حتى أنه يشنق أحدهم بمفرده (!). على المقلب الآخر، نتعرّف إلى «ريما»، وهي مصوّرة صحافيّة ميدانية (كاريس بشار) خلال عودتها من مهمة تصوير مخيّم للنازحين، فتتعرّض لبندقية قنّاص، ويموت سائق سيارتها. وفيما يحاول القنّاص اقتفاء أثرها بين الخرائب، تلتقي "يوسف" الذي يخلّصها منه. كما سيعفو عن صديقه القديم «عزت» (محمد حداقي) الذي انتسب إلى الجماعة التكفيرية، على أمل أن يعود إلى جادة الصواب، لكنه سيغدر به لاحقاً. تتبع ريما منقذها إلى حطام بيته لمعالجة الجرح الذي أصابها، ثم يطلب منها مرافقته إلى بيت والده في انتظار أن يعود طريق الشام سالكاً. في فترة الانتظار، تتعرّف ريما إلى "زينة" التي ما زالت مغرمة بيوسف، وتلتقط لها مجموعة من الصور كي تضيفها إلى أرشيفها، فيما تختطف العصابة التكفيرية والد يوسف كرهينة ريثما يسلّم الابن نفسه للعصابة بحيلة من صديقه القديم. لن يستسلم يوسف وسيطارد العصابة بمفرده للانتقام من قَتَلة أبيه (هل هناك إحالة إلى: أنا يوسف يا أبي؟)، إلا أنه يقع في يد دورية للجيش، فتعتقله لأنه لا يحمل بطاقة شخصيّة. لكن الضابط سيتعرّف إليه ويطلق سراحه مباشرة، ثمّ يتابع مهمته منفرداً في مطاردة زعيم العصابة التكفيرية (يتكلّم التركية)، فيقبض عليه بعد مطاردته، وبدلاً من قتله يسلّمه للجيش. ينتهي الشريط بإبادة العصابة عن طريق سلاح الجو في معركة طاحنة. الكوادر الأنيقة، ثم الشاعرية التي تدمغ كاميرا باسل الخطيب، تتعثر أمام سيناريو مفكّك بوحدات سردية مبتورة، ما يفقده قوة الإقناع، خصوصاً لجهة الجغرافيا الملتبسة لحركة الشخصيات ما بين جبال وغابات وبحيرات، وقوارب، وأمكنة مهدّمة، والحيرة بين مقامات السرد البصري. إذا، يبدأ الشريط بنبرة تأملية وحميمية في نصفه الأول، ثم ينخرط في إيقاع آخر أقرب ما يكون إلى أفلام الأكشن الأميركية التي تتكئ على القدرات الخارقة للفرد. كما سيطيح الحوار ما أنجزته رهافة الصورة، نظراً إلى اشتغاله على الكلام اليومي العادي الذي يخلو من أي بلاغة سردية ترفع من وتيرة الصراع، ومحاكمة الوقائع بدقّة وعمق، وهو ما انعكس على أداء الممثلين في إيصال شحنة تعبيرية مقنعة، عدا بعض الدروس الوطنية المباشرة، فيما نأى تماماً عن تفكيك خطاب الخصم.
يربح باسل الخطيب مخرجاً، ويخسر ما عدا ذلك في غياب السيناريست المحترف. الشاعرية البرانيّة للصورة تعمل لوحدها، من دون أن تشتبك فعليّاً مع مجريات الحدث. وإذا بالرؤية المجتزأة للجحيم السوري تهيمن على مفاصل الشريط.

«سوريون»: ابتداء من اليوم ــ «صالة الكندي»، دمشق