في مسلسل «ياسمينة» (كتابة مروان العبد، وإخراج إيلي معلوف) الذي تعرضه lbci حالياً، نقع على سيرة تاريخية تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، يوم كانت الدولة العثمانية تحاول فرض سلطتها على رعايا لا يدينون لها بالولاء ولا يشعرون حيالها بالودّ.
الحكاية تبدأ من منطقة كسروان (غرب وسط لبنان) حيث الناس ينقسمون بين مستفيد من منح الدولة (حائز لقب باشا، بك، آغا وأفندي)، وبين متضرّر من جور حكّامها وولاتها، وباحث بصعوبة عن لقمة العيش. لكن مشاعرالجميع كانت تتقاطع عند حدود التبرّم بإرهاصات الظلم التي يمارسها حيالهم ممثلو سلطنة تقترب من نهايتها. في هذا السياق المحموم، تدور الأحداث حول «ياسمينة» (كارول الحاج)، الفتاة التي يقتل والدها الباشا (فادي إبراهيم) واحداً من جنود السلطنة دفاعاً عن امرأة حاول الجندي سلبها عنزة وحيدة كانت تعتمد عليها في إطعام أبنائها.تورّط الباشا في الحادثة، وكان عليه جرّاءها أن يمضي أيّامه التالية هارباً من العقاب، قبل أن يفر مودعاً طفلته في رعاية «نسب» (هيام أبوشديد)، وهي أيضاً أرملة تشكو الفقر وإن كان لا يعوزها العطف الإنساني.
تكبر «سلوى»، وهو الاسم الذي منحتها إيّاه «نسب»، وتبدو حياتها على قدر من الاستقرار بالنسبة إلى بنت «لقيطة». يؤول بها الأمر إلى التعليم في إحدى مدارس الراهبات في المنطقة، لكن إفتقادها وضوح النسب وعراقة الأصل يظلّ عائقاً بينها وبين الحياة السويّة. ذات ليلة، زاد غبار الحرب من ظُلمتها،
طغت عليه الرتابة، وإستعاد
حكايا «بياض الثلج» ومثيلاتها

وعثرت «سلوى» على جندي مصاب وفاقد للوعي يُدعى «نادر» (باسم مغنية). عندها، تعاونت مع «نسب» على تأمين ملاذ له في قبو منزلهما، وتعهّدته الفتاة بالرعاية. ولمّا استعاد الشاب وعيه، غادر القبو من دون أن يُبدي اهتماماً بالتعرّف إلى الناس الذين أمنوا له الملجأ. تلك ثغرة فادحة في البناء الدرامي، جرى استثمارها لاحقاً عندما قادت الظروف «سلوى» لتعيش في قصر «نديم باشا» (نقولا دانيال)، والد الجندي الجريح، إذ لم يكن بوسع الأخير التعرّف إليها والتعبير لها عن امتنانه. كانت الحياة تسير رتيبة عندما كسر حلقتها المفرغة جندي قادم من الحرب يحمل رسالة للفتاة من والدها، يُعلمها فيها أن اسمها هو «ياسمينة»، وأنّ المطلوب منها انتظار عودته المجهولة الموعد في قصر «نديم باشا». هذا الأخير تربطه بالوالد المجهول صلة غامضة يُعوّل عليها في إضفاء قدر من الإثارة على المسار الحدثي للمسلسل المتّسم حتى اللحظة بالكثير من الرتابة.
تنصاع «ياسمينة» سريعاً لرغبة والد خفي لا تعرف عنه ما يجعله جديراً بولائها، وتتخلى ببساطة عن «نسب» التي احتضنتها في الزمن الصعب تلبية لرغبة غامضة من أبٍ مزعوم لا يقل عنها غموضاً. وفي ذلك مكمن آخر من مكامن الضعف الذي اعترى العمل، وأفقده الواقعية.
مجدداً، كان السعي واضحاً لافتعال حبكة درامية ستجد ذروتها لاحقاً عندما تستقرّ «ياسمينة» في رحاب قصر فاره محاطة بـ«نديم باشا»، وزوجته «كريمة» (رندة أسمر)، بمحاذاتهما يقف ابنهما «نادر» الذي ارتأى السيناريو، لعلّة درامية، أن يغمض عينيه عن الفتاة التي أنقذته من الموت. ثم يكون على الأحداث أن تشهد انطلاقتها الثانية في مسار مختلف حيث تنمو مشاعر عاصفة بين «ياسمينة» و«نادر»، ويكون على والدة الباشا الصغير أن تكيد المكائد لإبعاد ما تحسبه خطر الفتاة المتشرّدة عن نجلها. فجأة وبسحر ساحر، تتحوّل الفتاة الوافدة من المجهول لتصبح رقماً صعباً في قصر الباشا. تبدي قدراً غير مبرّر من التمرّد المفتقر الى التفسير المنطقي على من يفترض بهم أن يكونوا أصحاب نعمتها المستجدة. تبدو سيّدة القصر كما لو أنّها صارت عاجزة حيال تلك الخادمة التي صارت تفوز بجولة تلو أخرى.
تتفاقم الأزمة البنيوية للسيناريو مع تعرّض الفتاة لحادثة، وقدوم الطبيب البيطري الذي كانت قد استعانت به لتطبيب «نادر باشا» بهدف تقديم العلاج لها. يفرض الطبيب نفسه ضيفاً غير مرحّب به على العائلة، ويُقارع «الست كريمة» بتعابير غير متوقعة، ويلحق بها هزائم معنوية يصعب تفسير أسبابها. ويستحيل تحديد عناصر القوة التي تسوّغ طريقة التصرّف هذه، إذا استثنينا التواطؤ الفادح للنصّ بعنقه الملوي، واستنسابيته المجرّدة من الواقعية والعفوية. في زمن احتدام المنافسة الدرامية، اختار «ياسمينة» الانحياز غير المبرّر لمفهوم الصراع التقليدي بين الخير والشرّ، مستعيداً حكايا «بياض الثلج» ومثيلاتها من حسناوات الروايات اللواتي جئن من المجهول ليسلبن قلب الأمير، ويثرن الغيظ في قلوب المحيطين والمحيطات به. ثم يمضين نحو المجد الواهم بخطى واثقة وابتسامة أسطورية.

من الاثنين إلى الخميس 20:40 على lbci