تعود عايدة صبرا لعرض «من الآخر» مع إيلي نجيم وسيرينا شامي، فيما تكفّلت بالسينوغرافيا مجموعة «ورق» (حسين نخّال ودافيد حبشي). جريئة هي عايدة صبرا وجدلية. ما لا يختلف عليه اثنان أنّها تعرف المسرح تماماً كجسدها. هذا ما نراه في «من الآخر» حيث تظهر على المسرح وحيدةً إلا من «مساعدين» يكملان مشهدها، يكملان الصورة التي تبحث عنها لدى المشاهد نفسه.
إنه البحث الدائم عن الأجوبة لأسئلة تدوم أكثر من 30 عاماً: لِمَ نحنُ هكذا؟ كيف تغيرنا؟ كيف نتحول؟ هل نحن على خطّيْ تماس ولم نكن ندري؟ أسئلة تبحث عنها عايدة صبرا الكاتبة في مسرحيتها. إنها لا تعرّي الزواج كما يعتقد بعضهم. هي ببساطة تعيش كل خيالاتها داخله وخارجه وعلى حدوده حتّى. يصبح الزوج غائباً، كما القدر في المسرحيات الإغريقية القديمة. يصبح هو المسيطر والخبر والقيمة المطلقة. لولاه لا يمكن اعتبار الحدث الموجود. هو «غودو» الغائب الذي لولاه لما وجد منتظرون أساساً.
تدور قصّة المسرحية حول زوجين. يظهر أحدهما على المسرح، ونسمع فقط صوت ثانيهما. الزوجة تترك مع خيالها الرحب الواسع. يحصل زوجها المهندس على ميدالية تكريمية من الدولة. لذلك، فإنّه يتحضّر للذهاب إلى تلك الحفلة المهمّة بالنسبة إليه. قبل رحيله، يطلق رصاصته القاتلة على زوجته: «ختيارة». إنها ليست رصاصة الرحمة، إنها الرصاصة البوابة التي تدخل الزوجة في أتونٍ من أسئلة تجيب عنها وحدها: تقبلها وترفضها. تجتاز الزوجة كل خيالات وأحلام الزواج والخيانة وأدق التفاصيل في العلاقة بينهما منذ أيام الحب الأولى، حتى أيام «النكد» الأخيرة. أفادت صبرا كثيراً من مسرح بريشت من ثلاث نواحٍ، أولاها «هدم الجدار الرابع» عبر إشراك المشاهد في المسرحية، فالبطلة كانت تتوقف أحياناً كي تسأل المشاهدين أسئلة مباشرة: «لماذا يعتبر الرجال المرأة التي تسكن وحدها أرضاً خصبة للاستغلال؟»، والثانية عبر مزج الوعظ والتسلية في مكانٍ وإطارٍ واحدين، فهي ببساطة كلما وجدت «علةً» لدى زوجها، عادت وبررت الأمر وأعادت طرق القصّة من زاويةً أكثر دقةٍ في قراءةٍ تقول مباشرةً: لربما كنت مخطئاً في قرارك المتسرع. أما الثالثة فهي «التغريب» الذي يظهر ملياً وسريعاً من خلال اعتمادها على «مداخلٍ» تجعل من حدثها/ فكرتها البسيطة صاخبةً الى حد الدهشة.
بذلت عايدة جهداً خارقاً من جميع النواحي لتبرز عملاًً متكاملاً: كتبت، ومثّلت وأخرجت. الفنانة المتكاملة التي حازت جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسرحية «حالة حب» في «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» في عام 1998، وجائزة التميز لأدائها عن مسرحية «إيماء 88» قبلها بعشرة أعوام من «مهرجان دمشق المسرحي»، كان قد عرفها الجمهور وأحبّها مع مسلسلها الكوميدي «حلونجي يا اسماعيل» لفايق حميصي وأحمد قعبور، يوم أدّت دور «نجاح» زوجة عم البطل (عباس شاهين).