بغداد | حالة من التهويل ونشر الشائعات تخيّم منذ يومين، مدارها بغداد وأمنها والمواجهة الشاملة مع برابرة العصر الحديث، بغية بثّ الرعب في نفوس العراقيّين، وخصوصاً البغداديّين. هكذا، تم الترويج لشائعات حكت عن وجود اشتباكات ضمن محيط مطار بغداد، تمهيداً لاقتحام العاصمة. وهذا ما نفته «سلطة الطيران المدني العراقيّة»، داعية الصحافيّين إلى جولة معها على طول الطريق المؤدّي إلى المكان.
بعض الفضائيات ووسائل الإعلام العربيّة استعجلت تأدية مهماتها في إرعاب الناس، فنشرت موادّ وأخباراً تريد أن تقول إنّ «الكارثة على الأبواب». فضائية «سكاي نيوز» مثلاً نشرت أوّل مرّة تقريراً يحمل عنوان «اشتباكات مع تنظيم الدولة قرب مطار بغداد»، ثم غيّرته إلى «إحباط تسلل من «تنظيم الدولة» إلى بغداد».
دوافع التهويل معروفة وليست مستغربة في الحرب التي يخوضها العراق الآن. التنظيم الذي يهتمّ باستعراض أفعاله وإشهارها على موقع تويتر وشبكة اليوتيوب، لا بدّ من أنّه يملك طابوراً وخلايا نائمة تشتغل ضمن سياق التأثير على الآخر وإضعاف الثقة بالنفس لإخافة الخصم من دون مواجهته مباشرة.
وهنا يمكن لما حصل من هلع أن يكون مفيداً لاحقاً، لرفع مستوى الاستعداد الأمني أكثر والتنبّه لدور الإعلام في المعركة. لا بد من أن يكون «جهاز مكافحة الإرهاب» في بغداد قد قرأ سياق ما حصل بشكل ترجمه في بيانه الذي صدر أول من أمس وجاء فيه: «جهاز مكافحة الإرهاب يقوم حالياً بجولة ميدانيّة مع وسائل الإعلام لإثبات كذب ما تبثّه بعض الفضائيات بشأن التعرّض لحزام بغداد». وتبرز الحاجة اليوم إلى التذكير بعدد من المقاطع الداعشيّة المنشورة على اليوتيوب التي يعود تاريخها إلى حزيران (يونيو) الماضي، أي بعد نكسة الموصل بأيّام. هناك أربعة من هذه المقاطع تروّج للهجوم على بغداد، واحد منها باسم «فتح بغداد». استعان الأخير بمؤثّرات وكلمات أنشودة «جبل يدعى حماس» (نحن رقم عالميّ نجعل الظلم مداس)،
حملة إعلامية وافتراضية روّجت لسقوط العاصمة في أيدي الدواعش

لتركّب على مشاهد من فيلم «مملكة السماء» Kingdom of Heaven بالتركيز على شخصية صلاح الدين الأيوبي كأنّه البغدادي 2014 يقود هجوماً على بغداد ومعه أبو محمد العدناني. وهذه كلّها جزء من أحلام التنظيم الذي لم ينجح في استعادة قرى خسرها قبل أشهر.
ما هي إلا ساعات حتى أتى الرد من ناشطين ومثقفين وطلاب جامعات، عبر حملة «بغداد - بخير» التي يتكفّل فيها الفرد بنشر صورة آنية أو فيديو حيّ لمكان وجوده يظهر سير الحياة بشكل طبيعي. المدهش والمفرح، في آن معاً، أنّ عراقيّين مغتربين راحوا أيضاً ينشرون من مغترباتهم هاشتاغ الحملة ومعه عبارات وصور لأمكنة شتّى من العاصمة، وبعضهم لوّح من أوروبا وأميركا قائلاً: هذه الكأس بصحتك يا بغداد».
وتوالت الصور الكثيرة؛ منها واحدة لساحة كهرمانة في حيّ الكرادة، وأخرى من حيّ المنصور، وثالثة من الكاظمية حتّى بعد تفجير سيّارة ملغومة فيه، إلى درجة تشعر فيها بأنّ العراقيّ البريء والمسالم يعيش فعلاً في أرض يحيط بها مصّاصو دماء من جنسيات لا حصر لها. وضمن الحملة نفسها، وضع الصحافي غضنفر لعيبي مقطعَي فيديو من تجواله بين شوارع بغداد، واحد في النهار والآخر ليلاً. في الأوّل، يعرض مساره الاعتيادي في شارع أبي نواس وجوار نهر دجلة، ويعلو صوت أغنية «بس تعالوا.. ولو اجيتوا جفوفنا نحنيها» للمطرب كريم منصور (فقط تعالوا ولو أتيتم نملأ أكفّنا بالحناء). وفي المقطع الثاني، يمضي لعيبي بسيّارته في شارع السعدون ويتجه صوب مأثرة جواد سليم، حيث «نصب الحريّة» في الباب الشرقي ومنه إلى ساحة الطيران.

حملة أخرى انطلقت بتأسيس صفحة على الفايسبوك اسمها «مليار إنسان ضدّ داعش»، وبهاشتاغ «بغداد - باقية - وتتمدّد»، وفيها ابتكار استعمله سابقاً المتطرّفون وغيرهم في أكثر من مكان، بكتابة عبارة الهاشتاغ وتحتها تدوين تحيّة للمكان (بغداد) وفي الأسفل اسم الناشط والحيّ الذي يسكنه والتاريخ.
وسرعان ما انضمّ إلى الصفحة أبناء الجاليات العراقيّة في الأردن وتركيا ولبنان والسويد ودول ثانية، وتفاعلوا معها بالطريقة نفسها أي عبر «كتابة رسائل محبّة إلى عاصمتهم على ورق أبيض»، من قبيل «بغداد خط أحمر ممنوع الاقتراب»، أو نشر إعلان عن «عائلة موصليّة تبحث عن سكن في بغداد»، فينبري العشرات لأجلها قائلين: «مدينتنا باقية بنا وتتمدّد».




معكم... قناة الفتنة

في خضم الأزمة التي يشهدها العراق، يبدو واضحاً انخراط بعض الفضائيات المحليّة في التعبئة الطائفيّة وتأليب مشاعر الناس، ومنها قناة «التغيير» التي تبثّ من العاصمة الأردنيّة عمان. تسمّي هذه المحطة الجيش العراقيّ «الجيش الحكوميّ» ومسلحي التنظيم «المقاتلين». وما إن تتسرّب أنباء وشائعات مقلقة، تكون هي أوّل من يقدّمها على شاشتها. والأغرب من ذلك أنّها تتحاشى كثيراً ذكر جرائم «داعش» المسمى في خطابها «تنظيم الدولة الإسلاميّة»، لكنّها سرعان ما تلتفت في تقاريرها إلى «جرائم الميليشيات» ضمن غياب تام للحيادية في نقل الصورة إلى الجمهور.