ما الذي يثني النساء عن المشاركة الفعّالة في الحياة السياسية اللبنانية؟ سؤال لطالما كان حاضراً على طاولات البحث الحقوقية والنسوية على مدى أكثر من خمسين عاماً. الإجابة على هذا السؤال، تقودنا الى البحث في أحد أهم الأسباب الأساسية، التي ربما تعدّ مستترة وغير مباشرة، والمتمثّلة في العقدة الفوقية الذكورية لدى معظم السياسيين والنظرة التقليدية والدونية إلى المرأة ودورها السياسي والعام.
ولعلّ ردّ رئيس «حزب التوحيد العربي» الوزير وئام وهاب الأخير على عضوة المكتب السياسي في «تيار المردة» فيرا يمين، كفيل بإعادة فتح النقاش حول طبيعة الخطاب السياسي الذكوري الذي يمسّ بكرامة المرأة الشخصية وقيمتها النضالية والسياسية، وتأثير هذا الخطاب على انخراط النساء في الحياة السياسية والعامة تجنباً للإهانة والتجريح.
وبمعزل عن المضمون السياسي لموقف يمين ونقدها القاسي لوهاب، جاء ردّ الأخير بوصفها بـ «القبيحة» وصاحبة «رائحة الفم الكريهة»، ليعطل أي سجال أو نقاش سياسي وليسلط الضوء على مستوى هو الأدنى في اللغة التخاطبية بين السياسيين. إن تصريح الوزير وهاب ليس بغريب في ظل جو سياسي ومستوى خطابي مشحون بالذكورية والعنصرية والكراهية، وهو يعيد إلى ذاكرتنا العديد من المواقف المماثلة، ولعلّ أبرزها إهانة الوزير جبران باسيل للقنصلة كارولين زيادة في نيويورك وتحويلها إلى سلعة جنسية وأداة لإغراء نظيره الإماراتي، وتصريح الوزير أشرف ريفي بأنّه «لا نستطيع ارتداء تنانير وسندافع عن شرف مدينة طرابلس»، والإيحاءات الجنسية التي أطلقها يوماً الوزير نهاد المشنوق عند حديثه عن الصحافيات، والموقف العدواني للجنرال ميشال عون من صحافية استفزّت ذكوريته عند إحراجه بأسئلتها، من دون أن ننسى طبعاً النظرة الذكورية من قبل مجموعة من السياسيين للنساء البرلمانيات عبر مخاطبتهن انطلاقاً من شكلهن الخارجي أو عبر معايرتهن بدورهن الإنجابي وانشغالهن عن العمل التشريعي بالزواج وإنجاب الأطفال، علماً أنّ أكثر من 90% من البرلمانيين الذكور يتشاركون في التقاعس عن أداء دورهن الفعلي كممثلين للشعب اللبناني.
منذ انتزاع حق المرأة اللبنانية في المشاركة السياسية بفضل جهود ونضالات الحركة النسائية وتحديداً في عام 1953، أي منذ الخمسينات وحتى يومنا هذا، لم تستطع المرأة تحقيق خرق حقيقي في المعترك السياسي. هناك 7 نساء فقط تولّين مناصب وزارية فيما تولّت 10 نساء مناصب نيابية، واللافت أن وراء معظم هؤلاء النساء طيف رجل وصلن بعد رحيله الى السلطة عبر التوريث السياسي، ما أدى إلى بروز مصطلح "البرلمانيات المتشحات بالسواد".
يحتلّ لبنان اليوم المرتبة 136 عالمياً من حيث مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وهي من بين المراتب الأكثر تأخراً عالمياً. فقد تراجعت نسبة مشاركة النساء في الترشح للانتخابات النيابية، من 34 امرأة في انتخابات عام 2000 إلى 14 امرأة فقط في دورة العام 2005 وصولاً إلى 12 امرأة في الدورة الانتخابية لبرلمان 2009 التي لم تسفر الا عن انتخاب 4 نساء لعضوية المجلس النيابي. نسبة متدنية جداً لا تتعدى 3,1 % من مجموع أعضائه.
هذه الأرقام كفيلة بتكذيب النظرية القائلة بأن مشاركة النساء السياسية متاحة وسهلة، فالأسباب التي تعيق هذه المشاركة متعددة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر القانون الانتخابي الطائفي، وتكاليف الترشيح والحملة الإعلامية الانتخابية، والذهنية السائدة والموروثات الثقافية، وغياب القوانين التي تجبر قادة الأحزاب والكتل على ترشيح النساء على لوائحهم ضمن كوتا نسائية.
وبعيداً عن الموقف السياسي من جميع الأطراف السياسية نساءً كانوا أم ذكوراً، ومن تقييم الأداء السياسي لكل منهم/ ن، لا بدّ من تأكيد أن المستوى المتدني للخطاب السياسي العابق بالذكورية هو أحد العوائق الأساسية أمام النساء في معركتهن الهادفة إلى خرق الطوق الذكوري في الحياة السياسية والعامة. كذلك، فإنّ اعتماد طريقة الردّ الدائم على النساء بالإهانة الشخصية، والمس بالكرامة، والتهكم من الشكل أو السلوك، وما إلى ذلك من تجليات ذكورية واضحة، لم تعد مقبولةً لأنّها تتناقض مع كل ادعاءات الحداثة والانفتاح الوهمي الذي يغلّف مجتمعنا اللبناني. آن الأوان للتعاطي مع النساء كشريكات أو خصوم سياسياً بغض النظر عن جنسهن والرد عليهن بالسياسة ولا شيء غير السياسة، بالإضافة إلى ضرورة البدء بالعمل على تفعيل مشاركة النساء ليس كناخبات فقط، بل كصاحبات قرار وفاعلات داخل الأحزاب والنقابات وجميع الأطر والمؤسسات السياسية والعامة الموجودة في البلد. إنّ العمل بالقول المأثور «الرجال للسياسة والنساء للكناسة» بات نقطة سوداء في سجلّ لبنان الثقافي والحداثي، واعتبار المرأة غير صالحة للعمل السياسي بهدف إخفاء المعوقات الحقيقية التي تحول دون مشاركتها الفعلية، حجّة واهية لن تثني جيلاً نسائياً قادراً وكفؤاً من النضال لاختراق الطوق السياسي الذكوري وإثبات نفسه عن جدارة.

*صحافية وناشطة نسوية