من عرزال الساحة في حيّ الأشرفية البيروتي حيث البيوت المتوّجة بالقرميد، تلمّس إيلي شويري (1939 ــ 2023) عشقه للفنّ الذي كرّس له حياته على مدى ستّة عقود، أثرى خلالها الساحة الفنية بالأغاني الوطنية والأعمال المسرحية الغنائية التي تعدّ جزءاً أساسياً من أرشيف الأغنية اللبنانية والعربية، قبل أن يفارق الحياة أوّل من أمس الأربعاء عن 84 عاماً.وُلد إيلي شويري في كانون الأوّل (ديسمبر) 1939 في العصر الذهبي للفن، وعاصر أسماء من مصاف محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ورياض السنباطي وعبد الحليم حافظ وكارم محمود ومحمد عبد المطلب وغيرهم من عمالقة الفن الذين رسموا خريطة الأغنية العربية.
انطلاقته الفعلية في عالم الفنّ كانت في أروقة الإذاعة الكويتية في عام 1960. جمعته المصادفة بالملحن الكويتي الراحل عوض الدوخي الذي شجّعه على تعلّم العزف على العود. خلال وجوده هناك، أحيا حفلات متواضعة وتعرّف إلى الموسيقى الخليجية وتعلّم إيقاعاتها.
وفي منتصف عام 1962، وصلت إلى الكويت فرقة «الأنوار» اللبنانية المؤلّفة من وديع الصافي وسعاد الهاشم وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وآخرين، فصحا الحنين في نفس إيلي، ليقرّر العودة إلى بلاده ويؤسّس لعهد موسيقيٍ جديد مع رفاقه آنذاك.
مثل زملائه نصري شمس الدين ووديع الصافي وملحم بركات وجوزيف عازار ومروان محفوظ وجوزيف ناصيف، وجد شويري في مسرح الرحابنة الحضن الذي يستوعب موهبته. برز بصوته العذب، ولمع كممثل تقمّص دور المشاغب بخفّة ظلّ ولّدت تعاطفاً ضمنياً لدى الجمهور مع «الشرير». هذا ما حصل مثلاً مع شخصية «شاكر الكندرجي» في «صح النوم»، و«شهوان» في «جبال الصوّان»، و«عيد» في «بيّاع الخواتم»، و«خفيف» في «من يوم ليوم»...
شارك في معظم المسرحيات التي قدّمها الأخوان رحباني وعُرضت على مدرّجات «مهرجانات بعلبك الدولية»، من «دواليب الهوا» مع صباح إلى مسرحيات فيروز ومنها «أيام فخر الدين» و«هالة والملك» و«الشخص» و«ناطورة المفاتيح» و«صح النوم» وصولاً إلى «ميس الريم». حقبة شبّهها بـ «حلم من قصص الأساطير»، خوّلته خوض أجمل التجارب الفنية، فنهل من نبع الفنّ ورافق زمن النبلاء مع «عباقرته».
لدى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، اختلف مع الرحابنة، ليذهب صاحب أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» للعمل في إذاعة «صوت لبنان» بعدما شارك مع عاصي ومنصور في 25 عملاً. هنا، بدأ يتألّق كملحّن وقّع، كلاماً ولحناً، أعمالاً منوّعة لمجموعة كبيرة من الأصوات التي شدت بأغنياته الوطنية والعاطفية. القائمة طويلة يصعب إحصاؤها، منها: «إيّام اللولو» و«تعلا وتتعمّر» و«تسلم يا عسكر لبنان» لصباح، و«يا أهل الأرض» لغسان صليبا، و«بكتب اسمك يا بلادي» لجوزيف عازار (تردّدت على ألسن العديد من الفنانين العرب ومنهم الممثل السوري دريد لحام)، و«يلي بجمالك» لصابر الرباعي. تميزت أعماله بالكلام الوطني واللحن الشرقي القريب من الناس. أدخل المقام الشرقي في الأناشيد، وجعل مناخ المقام أحياناً يسيطر على كلام الأغنية (مثل مقام الصبا الحزين في «صبي ولا بنت»). كتب أشهر أغنيات وديع الصافي مثل «زرعنا تلالك يا بلادي»، و«بلدي»، و«أنت وأنا يا ليل»، و«من يوم من يومين»، و«يا بحر يا دوار».
غنّت ماجدة الرومي من ألحانه «سقط القناع» و«مين إلنا غيرك» و«ما زال العمر حرامي». علماً أنّه أثار الجدل بتقديمه لحن «يا قطر» للرومي، فيما تنافست كلّ من صباح وسميرة توفيق على أداء أغنية «إيّام اللولو» التي أثارت في حينها نزاعاً وصدرت في وقت لاحق بثلاثة أصوات مختلفة.
قدّم مع الرحابنة 25 عملاً قبل أن يفترق عنهما في عام 1975


في عام 1975، قدم بالتعاون مع الصحافي الراحل سامي غميقة برنامج «يا الله» الانتقادي الاجتماعي الذي لاقى نجاحاً لافتاً. منحه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور في عام 2017 تقديراً لعطاءاته الفنية والاجتماعية والوطنية. حينها، علّق الراحل على هذه الخطوة بالقول إنّ الوسام «عيد لكل الأغاني التي غنّيتها».
على الشاشة الصغيرة، شارك في إنتاجات عدّة، كمسلسلَيْ «أخوت شاناي» (1973 ــ إخراج باسم نصر)، و«أنا أنت» (1976 ــ إخراج الياس متّى). أما سينمائياً، فشاهده الجمهور في أفلام من بينها «سفر برلك» (1967 ــ إخراج هنري بركات)، و«بيّاع الخواتم» (1965 ــ إخراج يوسف شاهين)، و«سيلينا» (2009 ــ إخراج حاتم علي).

الأقرب إليه كان ملحم بركات الذي جمعته به هواية الصيد


وعلى الصعيد الشخصي، كان إيلي شويري عاشقاً لبناته الثلاث نيكول وكارول وسيلينا، ثمرة زواجه من عايدة أبي عاد في عام 1966. كما نسج شبكة صداقات مع قلّة من زملاء المهنة الذين استحالوا رفاق درب، على رأسهم الراحلان فيلمون وهبي ونصري شمس الدين. غير أنّ الأقرب إليه كان ملحم بركات الذي جمعته به هواية الصيد.
أما واقع الوسط الفنّي أخيراً، فلم تكن تعنيه متابعته كما ردّد في مقابلاته الصحافية: «اليوم أنا مش أنا، وما يجري لا يعنيني ولا يثير اهتمامي. أعاني من الواقع الفني المتردّي لا سيما أنّني جئت من حقيقة البارحة».

* يصلّى على الجثمان عند الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم غد السبت في «كنيسة القدّيس ديمتريوس للروم الأرثوذكس» (مار متر ـ الأشرفية) ثم يوارى الثرى في مدافن العائلة. تقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة من الساعة الثانية عشرة ظهراً لغاية السادسة مساء، ويوم الأحد ابتداءً من الواحدة بعد الظهر لغاية السادسة مساء.