تميّز إيلي شويري بصوته وأدائه، وباعتباره فناناً تناغم ببراعة مع خصوصية جيله الرهيب والتأثيرات والمنابع التي نهل منها، ومع زمنه الموسيقي والفني الذي انسلّ منه، ومكانته وأهمّيته بوصفه ملحّناً.في اتصالي الهاتفي الأخير به عام 2021، أثنى شويري على مكانة فيروز الفريدة في التاريخ والحاضر، «التي لا يمكن للإنسان العاديّ سبْر غورها من فرْط وعَرامة بُسُوقها»، وعلى حذقها وذكائها وكياستها وصفاتها الاستثنائية. يكفي أن نقول إنّ إيلي شويري عاصر الرائعة صباح، والهائلة جدّاً فيروز، والأخوين رحباني العظيمين، وشارك في أعمالٍ خالدة معهم، وعمل مع أسماءٍ بأهمّية المخرج يوسف شاهين على سبيل المثال، وسواهم -لا مجال لذكرهم كلّهم في مقال واحد- ليتبدّى تموضعه بصورةٍ طبيعية في كنف الـPuzzles المتوازية والمتراكبة التي يمثل كلّ جزء منها قطعةً على قدر كبير من الأهمية في التَّضَامّ لتكتمل اللوحات الإبداعية وتزدان.


إضافةً إلى دوره المكمّل، كانت لشويري خصوصية التفاعل والحضور الصوتي والفني، وقد كان خفيفاً وثقيلاً في آن: رخيم الروح فنياً كان شويري، وراجح الوزن في الدلالتَين الموسيقية والفنية. يحتاج المرء إلى تدوين كتاب كامل يُخصَّص للتحدّث عن تجارب شويري في زمنٍ لبسَ إكليل النهوض الذهبي محلياً وعربياً، وصولاً إلى استمرار وميضه في زمنٍ مختلف.
يصطبغ أداؤه الصوتي الغنائي بالصدقية والسلاسة والعذوبة، وتميل الآذان إلى جَرْسه. أمّا حضوره التمثيلي في الـ«ميوزيكال»، فمحبَّبٌ.
إيلي شويري ملحّن كبير ومؤثّر، يتحلّى جزءٌ كبير من ألحانه بالأصالة المشرقية العربية مقامياً، ويشفّ عن ذكاءٍ فطريّ في الموهبة شكّل أساساً للتمرّس والإحكام التلحينيين. عجنَ في «بكتب إسمك يا بلادي» مثلاً، على مقام «الراست» (المستقيم)، مكوّنات، وخليطاً يتأرجح بين الطربيّ الشعبيّ والإنشادي تلقائياً بلا أدنى تكلّف أو تفذلك تلحيني.
كان يجيد منح الأصوات الألحان التي تليق بقدراتها، وبمساحتها وقماشتها الصوتيّتَين، وبشخصيتها، فمنح صباح على الأساس هذا «تعلى وتتعمّر يا دار» (تصبّ في «البياتي»).
أبدع أيضاً في «يا أهل الأرض وإنتو تْرابا» التي ارتسمت عليها دلائل تلحينية مغايرة ونُسجت على نول نفَسٍ مختلف لأنّ الملحّن أصاب الهدف بسهم التنويع، وقد ارتأى تدثير الكلمات باللحن الملائم وفقاً لرؤيته الإبداعية، فمثّلت هذه المحطّة الغنائية والإنشادية قِبْلة الأنظار حينذاك في الفضاء الوطني، ولا سيما في الأوساط النخبوية التي تنظر إلى جواهر الفنّ بما تستحقّ من الاعتبار، علماً أنّ شويري كان شعبياً ونخبوياً في آن.
يصطبغ أداؤه الصوتي الغنائي بالصدقية والسلاسة والعذوبة


في أهزوجة «إيّام اللولو» التي تصبّ في «الراست»، أجاد التنقّل بين النغمات. برع على مستوى التلحين في التنقّل بين المقامات بخفّة نحلة تتنقّل في البساتين لتعسيل البُنى اللحنية، وكانت لديه نظرة خاصة في النسيج الموسيقي.
لو غنّت السيدة فيروز من ألحان شويري «يا أهل الأرض وإنتو تْرابا» أو «تعلى وتتعمّر يا دار» أو سواهما، لاكتسبت مكانةً توازي مكانة فيلمون وهبي، مع ذكرنا الفارق الأسلوبيّ الجوهري بينهما. من جهةٍ أخرى، فيلمون كان «شقيّاً» غالباً وعبقرياً في الإبداع ومشرّعاً لحساسية تلحينية مغايرة، فيما جنح الفذّ شويري نحو الرصانة الجلية عموماً في التلحين، مع إضافته أحياناً رشّة «شقاوة» تلحينية مطلوبة في اللعبة الإبداعية.