تجري دراما العلاقات الزوجيّة في إطار واقعي، لأنها تكتسب قيمتها من صدق الموضوع وقُربه من الواقع المَعيش. والأخير يختلف بطبيعته من الناحية الشكلانية وفقاً لعوامل حيويّة داخل النموذج السردي، أهمها الطبقة الاجتماعيّة المرصودة داخل العمل الدرامي، والفئة المُستهدَفة درامياً على مستوى التلقّي. من خلال تلك الخواص الجوهريّة، يمكن إدراك سرديّة المخرج كريم الشناوي في مسلسل «الهرشة السابعة» كسرديّة طبقية على المستوى الشكلاني، غير أنها متدفّقة وحيويّة على أكثر من مستوى. فالإشكاليات الأساسية التي يُناقشها السيناريو سارية على كلّ الطبقات الاجتماعيّة، لكنّ مركزيّة الوضع الاجتماعي تفرض نوعاً مُختلفاً من العقد على مدار الحلقات. عُقد تتآلف مع النمط الاجتماعي، والغريب أن المُعضلات اللحظيّة التي يتجاوزها الأبطال على مدار كلّ حلقة، تلك التي يتورّطون فيها لتصيبهم بالقلق وتُشكّل مأزقاً يمنح الحلقة الإيقاع المطلوب؛ هي ذاتها ــ بالنسبة إلى الطبقة الاجتماعيّة الأقل ــ امتيازات في حد ذاتها. شكل المُعضلة وطبيعة حلّها، ونسق التعاطي مع تلك المشاكل، تمثّل شكلاً من الرفاهيّة لا يتسنّى للطبقة الأدنى الاشتباك معه بشكل كُلّي. بيد أن تلك المُلاحظات ليست محاولة لمحو أو مُصادرة نوعيّة معينة من الدراما، فكل فنان حرّ في حكايته الخاصة وكيفية حكيها. حُرّ في خلق النسق والشكل المناسبين للسيناريو، لكن في المقابل، يستوجب فهم المُنتج الإبداعي في صورته العمومية. فمع إطلاقه للجمهور، يتحوّل إلى مشاع أكثر عمومية، ويخضع للتنظير من كلّ الطبقات ووجهات النظر، وخصوصاً أنه عمل درامي تلفزيوني، يحاول الاشتباك مع أكبر عدد مُمكن من الجماهير، على عكس الأعمال الدراميّة التي تُعرض على المنصات الإلكترونية بشكل حصري، فهي تتعاطى مع جمهور أقل وأكثر انتقائية إلى حدٍّ ما.


إلا أنّ مسلسل «الهرشة السابعة» من الأعمال التلفزيونية التي عُرِضت على الوسيطين التلفزيوني والإلكتروني، لذلك نحاول الاشتباك معها من وجهة نظر مُختلفة لأنها تحتمل ذلك، فالأعمال التلفزيونية تنتشر على نطاق واسع وتُصدّر رؤية تنعكس على الجماهير في البيوت.
تعتمد دراما العلاقات الزوجية في سردها على النمط التقليدي في الحكي، يؤسس، في البداية، لنوع من الحيويّة ينجُم عن الجريان الأوّلي للعلاقة في إطار الزواج. كل شيء يتحرّك ولا شيء يحدث، لأن التأمين المبدئي مُحقّق داخل العلاقة، لا مشاكل تقريباً، فكلاهما يقدر على تحمّل المسؤولية الخالية من المتاعب الخارجيّة. في مستهل سلسلته الدراميّة، ينظُر الشناوي إلى الخارج، يرصُد الإشكاليات بنظرة خارجيّة، يُراقب الخوف فيما يتسرّب على استيحاء من الاحتكاك الخارجي بنماذج زوجيّة أكثر خبرة وعمراً. يُرسي الشناوي مبادئ الاضطراب، فالحكاية لا تتحرك من دون الاختلال والانزعاجات، بيد أنه يربط لعبته الدراميّة على موقع ذلك الاختلال؛ مكانه من الشخصيات، ويُصدّر من مساحات خارجيّة مشوّهة أم داخلية ملتبسة وغير مضمونة. يتحرّك الشناوي من الخارج إلى الداخل، من النظرة الأشد عمومية والمخاوف الظاهرية إلى التورّط بشكل ذاتي في تلك الإشكاليّات. ليس تورطاً يتعلّق بالفرد وحده، بل بمنظومة الزواج كلها.
يقوم سيناريو «ورشة سرد» (فكرة وإشراف على الكتابة مريم نعوم، رئيسة فريق الكتابة دينا نجم، كتبت الحلقات راجية حسن وندى عزت، شاركت في التطوير مريم سعد الدين)، على ما يسمى «الهرشة السابعة» وهو تصوّر شائع عن العلاقات الزوجيّة يرتبط بالسنة السابعة من الزواج، ويُعتقد أن معدل السعادة الزوجيّة ينخفض بنسبة كبيرة خلال تلك السنة، بحيث يسمح بهامش للانفصال النهائي. وكُل سبع سنوات تتجدد الإشكالية لأن شخصيّة الطرفين تتغير خلال تلك المسافة الزمنية. وعلى هذا الأساس يبني فريق الكتابة سرديته، يلعب في فترة زمانية محددة، يستهلها بالسنة الأولى من الزواج ويُنهيها بالسنة السابعة، يضغطها ويحررها بحيث تخلق لحظات من الشد والجذب، ويؤسس شخصياته وعالمه على تلك الفكرة: آدم (محمد شاهين) ونادين (أمينة خليل) زوجان حديثا العهد، قصة حُبهما تمتد إلى ما قبل الوعي بالأشياء والمفاهيم بشكلها الأكثر نضوجاً. قبل عشرين عاماً، أحبّا بعضهما، ثم تزوجا في النهاية، لكن مع امتداد الزمان تُصبح الأمور أكثر تعقيداً، كونهما يتورطان في مشاكل لم يعهداها من قبل، وكلما توالت السنون، تفاقمت المشاكل. مصاعب مثل الملل والقلق والشك وغيرها، إلى جانب مسؤولية الأولاد وظروف العالم المُضطربة. كُلها أمور واقعية ويمكن إسقاطها على الجميع في حدود اشتباكها معهم، وعلى الناحية الأخرى هناك سلمى (أسماء جلال) وشريف (علي قاسم)، زوجان يمثلان النمط الموازي لنادين وآدم، لكن بعقليّة مختلفة ونمط حياة يبتعد قليلاً عن النموذج السائد. إلى جانب ذلك فوجود والدي نادين، ووالدة آدم، كُلّ في علاقته الخاصة، يرصد نموذج علاقاتي مختلفاً من حيث الجيل وطريقة التفكير، غير أنهم جميعاً يدورون في الفلك نفسه تقريباً، ويؤثر كُل منهم على الآخر بطريقة أو بأخرى.
ينطلق من تصوّر شائع عن انخفاض السعادة في السنة السابعة من الزواج


تعتمد دراما العلاقات، مثل أي نوع درامي، على الخفقان داخل الخطوط السردية، الانثناءات والالتواءات التي تحدثها المواقف والأزمات، فهي أشبه بالآلات الوترية التي يجب أن تهتز أوتارها وتضطرب لتُخرِج الموسيقى. النغمات هي الحكاية الدرامية التي يجب أن تُحكى، ولو أُخرجت ألحان مُغرقة في الحزن، بيد أن المرويّة الدراميّة وحدها لا تكفي ليتصل المُشاهد بالأبطال. هُناك خواصّ اجتماعيّة تصيغ هذا التوحّد وتضفره، والحقيقة أن الخيار الدرامي مُتاح للجميع، وبالنسبة إلى الدراما ــ بمعزل عن الشكل والسمات الاجتماعيّة ــ ناجحة جداً كمُنتج إبداعي على المستويين البصري والسردي، لكنها تظل ناجحة داخل مساحة مُعيّنة تتعلق بطبقة ذات مميّزات خاصة يُمكن من خلالها التعاطي مع المُنتج الإبداعي. إذاً فهي دراما تنتمي إلى طبقة متوسطة عُليا وما فوق، مُكتملة بالنسبة إليهم كمواصفات عمل إبداعي وخطاب فني. من الأشياء الطريفة في المسلسل على سبيل المثال، عندما ترك آدم العمل في مكتب الهندسة وجلس في البيت لأشهر، توجّه بعدها فوراً لشراء جهاز «بلايستيشن» وتفريغ غُرفة في الشّقة ذات النمط الغربي للعب ألعاب الفيديو. وهذا رد فعل غريب ومُلتبس بالنسبة إلى أبناء الطبقة الوسطى الدُّنيا وما دون، فهذا النوع من الرفاهيات غير مطروح في حياةٍ ذات نمط اقتصادي مُنخفض ومُضطرب، وهي الطبقة المُمتدة التي تمثل مُعظم الكثافة السكانية، لذلك فقيمة الطرح نفسها تأخذ أنماطاً وأشكالاً مختلفة وربما أجنبية ودخيلة على حسب الطبقة الاجتماعيّة.

* مسلسل «الهرشة السابعة» على منصة «شاهد»