لا ريب أن محمد سليمان عبد المالك قطع شوطاً كبيراً في عالم الدراما، رغم عمره القصير نسبياً في هذا المجال. الطبيب المصري وكاتب سيناريو مسلسل «راجعين يا هوا» (عن نصٍّ أصلي لأبي الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة) عاد هذه المرّة عبر مسلسل «مذكّرات زوج» الذي يستند إلى مقالاتٍ جُمعت في كتاب لأحد رواد الكوميديا المصرية أحمد بهجت. هذه المقالات التي نُشرت في سبعينيات القرن الماضي، أعطت نوعاً من التظليل على فكرة المسلسل، وجاءت بمثابة الثيمة التي سار عليها عبد المالك، ليقدّم نوعاً من أفضل مسلسلات الـfeel good لهذا الموسم. مسلسلٌ جمع فيه أربعة من أبرز الوجوه الحالية في الدراما المصرية: طارق لطفي الذي لا يزال ينعم بالنجاح الذي حظي به منذ دوره البارز في «جزيرة غمام»، وخالد الصاوي الوجه البارز والخاص في الدراما المصرية، والنجمة القادمة بقوّة سماء إبراهيم التي أطلقها وأعاد اكتشافها مسلسل «الكبير أوي» بجزئه السادس العام الفائت، ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف عن الإشعاع، ناهيك بعائشة بنت أحمد، النجمة التونسية التي باتت جزءاً لا يتجزّأ من الدراما المصرية الحالية.الحكاية بسيطة: الزوج العامل في مجال الطيران كمراقب لحركة الطائرات، رؤوف (طارق لطفي) يكتشف بعد مدّة أنّ الحياة الزوجية لا تناسبه. زوجته شيرين (عائشة بنت أحمد) متسلّطة ودقيقة، وأطفاله لا يحبونه ويخجلون منه، وفوق هذا، لا يشعر مع أصدقائه بأنه ينتمي إلى عالمهم. هنا يقرر أن يغوص في موضة العصر: العلاج النفسي، العلاج بالطاقة، العلاج بالسلوك من خلال متابعة محاضرات أحد أشهر الأطباء النفسيين، ولكن غير التقليديين الدكتور طه عياد (خالد الصاوي). هنا يترك رؤوف المنزل وحياته، ويبدأ بمحاولة سبر ما يمر به في حياته من تحولات. تظهر براعة الكاتب في تعرية طبقة المؤثّرين الاجتماعيين، والمعالجين بالطاقة، ومن هم على شاكلتهم من خلال العلاقة الملتبسة بين طه عياد بنفسه وزوجته «نجيبة» (سماء إبراهيم) اللذين يعيشان تقريباً الأزمات نفسها التي يعيشها رؤوف، لكن بشكل خاص بهما. مثلاً نجيبة وطه لا يعيشان معاً، لئلا يعكرا صفو «الشاكرا» و«الجو» وسواهما من الخزعبلات التي يقولانها من دون حتى إدراك معناها الأصلي والصحيح. سرعان ما يلتقي رؤوف بهدى (جيهان الشماشيرجي) التي تفتح أمامه أبواب الحب من جديد. القصة بشكلٍ أو بآخر ليست جديدة نهائياً، لكنّ الجديد فيها هو طريقة تقديم عبد المالك لها، فالتفاصيل هي سيدة الموقف، إضافة إلى هذا الإبداع الكبير لبطل العمل طارق لطفي الذي يعطي الشخصية أبعاداً متعدّدة وعميقة. أدائياً، يبذل طارق لطفي الكثير في هذه الشخصية، يتنقل بين شخصية الواهم والخائف والمتردد إلى مرحلة العاشق والواثق في ثوانٍ متعددة، وهذا غيضٌ من فيض مما يملكه الممثل المصري الماهر. لطفي الذي بدأ يلعب أدوار بطولة خلال الأعوام الفائتة، تظهر ثقته الكبيرة بنفسه وخصوصاً قدرته على أداء مسلسلات من هذا النوع وبسلاسة: إنه قادرٌ على أداء الكوميديا كما الجدية بالمهارة والقدرة نفسيهما. أمرٌ آخر يُحسب له هو قدرته على استعمال صوته بشكلٍ مفعم بالمشاعر، فندرك حجم خسارته وفوزه فقط من خلال صوته لا أكثر. خالد الصاوي بدوره هو من مدرسة درامية تجمعه بنبيل الحلفاوي وعبد العزيز مخيون وعبد الرحمن أبو زهرة وفردوس عبد الحميد وتوفيق رشوان. كل هؤلاء يستطيعون ارتداء شخصياتهم فوق وجوههم ليقتنع المشاهد بأن ما يراه على الشاشة هو الدكتور طه عياد بشحمه ولحمه، وليس ممثلاً اسمه خالد الصاوي. إلى هذا الحد يمتلك الصاوي عُدّة الممثل وتقنياته، هو لا يترك أي شيءٍ للمصادفة: كل ما هنالك هو مهارة عالية فقط. في الوقت نفسه، يعاب على الممثل المصري القدير أنه لا يهتم بصحته البتة، وهذا أمرٌ يجب الالتفات إليه، وما انقطاع نفسه خلال غالبية الحوارات إلا إشارة إلى أنّ عليه الاهتمام بصحته أكثر. سماء إبراهيم، مقتنصة الفرص الذكية والماهرة، منذ ظهرت في «الكبير أوي» العام الفائت بشخصية «الكبيرة فحت»: صادقة، قوية، مباشرة، وملامحها مصرية خالصة.
أهم ما يميّز «مذكّرات زوج» مهارة محمد عبد المالك الكتابية والنص الذي أعطاه الكثير من الحياة

إنها فعلياً النسخة النسائية من بيومي فؤاد في مصر، هذا الأمر فتح لها الأبواب جميعها، وجعلها وجهاً مطلوباً بشدة. كذلك، فإنّ مهارة عائشة بنت أحمد الممثلة التونسية كبيرة، ويمكن القول بأن مجرد النظر في بطولاتها خلال العامين الفائتين، يؤكد أنها ستصبح أحد أكثر الوجوه النسائية أهمية في الدراما المصرية إذا ما استمرّت على هذا المنوال. نجمة مسلسل «النزوة» (تأليف محمد الحاج وإخراج أمير رمسيس) أمام المبهر خالد النبوي، تستطيع أداء المعشوقة البريئة كما الزوجة المفترسة بسهولة بالغة ومهارة لافتة. وبما أنّنا نتحدّث عن نقاط قوة المسلسل، فإن أهم ما فيه هو مهارة محمد عبد المالك الكتابية والنص الذي أعطاه الكثير من الحياة، وخصوصاً إذا ما عرفنا أنّ المقالات هذه اقتُبست في السابق في مسلسلٍ يحمل الاسم ذاته عام 1990 مع المخرج حسن بشير، وكتب السيناريو صاحب المقالات بنفسه أي أحمد بهجت؛ مع ممثلين قديرين هما الراحلان محمود ياسين وحسن حسني والماهرة فردوس عبد الحميد. يومها، لم يلقَ المسلسل النجاح نفسه، ذلك أنه دخل أكثر في «أحلام البطل» و«تخيلاته» وحتى «هلوساته» وإن كان أداء الممثلين من أبرز سمات العمل، لكنّ النص جاء أضعف من النسخة الحالية. عبد المالك أعطى النص قوةً فضلاً عن واقعية يحتاج إليها، ناهيك بالتركيز على خصوصية العصر الحالي وملامحه من السوشل ميديا إلى العلاج بالطاقة إلى المرشدين النفسيين وهكذا. أمرٌ آخر يُحسب للكاتب هو أنه ركّز على الحوار بين أبطاله، فجعله مباشراً كالذي يُحكى يومياً، وهذا من أصعب أنواع الكتابة والنصوص. إخراجياً بذل تامر نادي الكثير من الجهد لإضفاء نوع من الكاميرا الهادئة على مسلسل يقصد من خلاله أن يكون خفيفاً ومسلّياً في آنٍ معاً. حتى في أقصى لحظات المسلسل ثقلاً، تجد الكاميرا تتحرّك بهدوء وهذه من نقاط قوّة المسلسل.
يأتي «مذكّرات زوج» ضمن 15 حلقة انتهى عرضها، لكنه متوافر على منصة «واتش إت» المصرية. تبرز ميزة المسلسل بأنه خفيف وسهل المشاهدة في شهرٍ اعتاد فيه صنّاع الدراما على «التثقيل» على مشاهديهم.

* «مذكّرات زوج» على منصة «واتش إت»