منذ إطلاقه مسلسل «الأسطورة» (إخراج محمد سامي وكتابة محمد عبد المعطي) عام 2016، لا يزال النجم المصري الإشكالي محمد رمضان يغامر فعلياً كي يعيد النجاح الذي حقّقه آنذاك. يومها، اجتاحت صوره الشوارع، ووُشم على الأجساد، وتحوّلت كلماته إلى ما يشبه الأيقونات من خلال المزج بين شخصيتي العمل رفاعي وناصر الدسوقي اللتين جسّد كلتيهما ببراعةٍ مذهلة. حتى اليوم، لم يستطع الممثل الأسمر أن يقارب ذلك النجاح على الرغم من إطلاقه مسلسلاً في كل موسم رمضاني، متبوعاً بفيلم. اليوم يعود رمضان مع مسلسل «جعفر العمدة» محاولاً إشعال جذوة النجاح السابق مع المخرج نفسه محمد سامي الذي كتب أيضاً المسلسل. إنها حكاية بسيطة كعادة مسلسلات محمد رمضان، وإن حافظ على الثيمة نفسها التي يهواها ويعتقد بأنّها ما يهواه جمهوره. حكاية تكاد تقارب كلاسيكيات الحالة الشعبية: الغدر والخيانة (والأهم أنّها تأتي من الأقارب والأصحاب)، والبطل «معلّم» في مهنةٍ أو كارٍ ما، يدخّن الشيشة، يمتلك المال، وفوق كل هذا يقول الحكم والأمثال الشعبية، يقدّس أمّه مهما كانت كائناً عجيباً، يحب عائلته بشكل مفرط ومبالغ فيه، ينظر إلى المرأة على أنّها سلعة/ غرض قابل للشراء والبيع، ويطلق الأحكام الغريبة من نوع «الحرمة دي أرجل منك»، باعتبار أن هناك مقياساً محدداً للرجولة والأنوثة. وفوق كل هذا لديه استعدادٌ مفرط للدخول في شجارات عنيفة من دون أي سببٍ منطقي، سوى أنه يريد ذلك، طبعاً مع «حبّ» الناس وتقديرهم له لأنه «شهم وجدع وعادل» على الرغم من عدم وضوح ذلك خلال صيرورة المسلسل.
باختصار هذا نوعٌ من الإحاطة بالشخصية التي يهوى رمضان تقديمها في هذا النوع من المسلسلات والتي استهلكها منذ عام 2016 حتى اليوم. أما حكاية المسلسل الرئيسية، فتتناول جعفر العمدة (محمد رمضان)، أحد أكبر التجار في السوق والمتزوّج من ثلاث نساء: ثريا (مي كسّاب)، دلال (إيمان العاصي) ونرجس (منة فضالي). للعمدة والدة (هالة صدقي) أرملة تعيش معهم في المنزل، وشقيقه الأكبر سيد (أحمد فهيم) الفاشل والضعيف الشخصية. أما أعداء العمدة في الشارع فهم أهل زوجته الثانية دلال، عائلة فتح الله مع كبيرهم (طارق النهري)؛ والسبب يعود إلى أنَّ عائلته قد أسقطت الجنين الذي كانت ابنتهم تحمله في أحشائها من جعفر العمدة. وفي الوقت نفسه اختطفوا ابنه الطفل الذي أنجبه من زوجته الأولى ثريا؛ لأن أشقاء دلال كانوا يرفضون زواج العمدة من شقيقتهم. طبعاً تتعقّد الأحداث وتصل إلى ذروتها حينما يقتل العمدة شقيق دلال، يوسف (حسني شتا) بالخطأ، ليطلق بعدها بسنوات شقيقها الثاني شوقي (منذر رياحنة) النار على العمدة بهدف الانتقام لشقيقه ويدخل السجن. منع العمدة نساءه الثلاث من الإنجاب بعد تلك الحادثة، وعاش حياته متنقّلاً بين زوجاته الثلاث وإن كان لا يزال مؤمناً بعدم الإنجاب. بعد ذلك يلتقي بعايدة (زينة) الفتاة الثرية والقادمة من طبقة ثرية التي يعقد معها اتفاقاً يقتضي بإدانتها مبلغاً كبيراً من المال تنقذ به والدها رجل الأعمال المسجون بتهم مالية، عاصم (بيومي فؤاد) مقابل الزواج منه. هذا الأمر يحصل، ولكن في إطار مختلف عما اتفقا عليه لتتعقّد الأمور بعد ذلك وتتفرّع إلى تفاصيل كثيرة أهمّها أن ولده المخطوف الذي اعتقده ميتاً عاد إلى الحياة.
أدائياً، لا يمكن لاثنين الاختلاف على مقدرة محمد رمضان الأدائية، ولكنه حتى اللحظة فعلياً يجاهد كي يخرج من عباءة الأداء الذي أعطاه في «الأسطورة»، فيستعير مثلاً أداء الراحل أحمد زكي في «البيه البوّاب» من خلال استنساخ ضحكته الشهيرة، ويستعير من الراحل نور الشريف طريقته في تقديم «زوجته الرابعة» لزوجاته من مسلسل «الحاج متولي». كلّها محاولات قد تبدو جيّدة لكنها استنساخات لا أكثر، وعلى الممثل المصري أن يغوص في داخله أكثر لإيجاد كاراكتير فريد يشبهه هو لا الآخرين. في الوقت نفسه، يعاب عليه أخطاء لا يجوز أن يقع فيها، فهو يؤدي دور رجل على أبواب الخمسين فيما يظهر بجسد شاب ولربما حتى بعضلات «سكس باك» البطنية المعروفة؛ وهذا أمرٌ غير منطقي أو عقلاني، وخصوصاً أنه لا يزور النادي (بحسب الشخصية) ويأكل الأكل الشرقي المعتاد. بدورها، حاولت هالة صدقي في دور «الحاجة صفصف» والدة العمدة، أن تخرج على معتاد الأمهات في مسلسلاته، إذ كنّ في الغالب هادئات مهذبات باكيات في معظم المشاهد (أبرزهن فردوس عبد الحميد في «الأسطورة»)، هي شخصية ناقمة، سليطة اللسان. وقد نجحت صدقي في تقديم هذه الشخصية، لكنها وقعت في لحظاتٍ ما في فخ «التمثيل الزائد» (over-acting) فبدت مزعجة بعض الشيء. زينة، بدا أنها قد أفاقت من غيابها الفني ومشاكلها الشخصية، وقرّرت أن تعود للتمثيل، وهي ربما من أفضل المؤديات في العمل. أما منة فضالي، فمنذ سنوات لا تؤدي البتة، لا تمثّل، وفوق كل هذا تنسى تماماً طبيعة الكاراكتير الذي تؤديه، فيبدو أنّها خارجه كل الوقت. إيمان عاصي، جيدة، لكنها غرقت في تكرارية الأدوار في أعمالها المتوالية، وعليها إن كانت تريد أن تبقى في المهنة أن تبحث بجدّ عن شخصيات مختلفة. طبعاً تجدر الإشارة إلى أن المسلسل يضمّ أيضاً أحمد داش بشخصية «سيف»، واحد من أفضل الوجوه الشابة الحالية في مصر، وفريدة سيف النصر بشخصية «الراقصة عزيزة»، وفريدة ممثلة ماهرة وتضفي الكثير على أي دور تؤديه.
يجاهد النجم المصري كي يخرج من عباءة الأداء الذي أعطاه في «الأسطورة»


واحدة من أهم مشاكل المسلسل أنه يحاول أن يمزج بين الكوميديا والجد في إطارٍ واحد: يعني مثلاً ثريا (مي كسّاب) التي تؤدي فعلياً بشكل جيد، لكنها تكرر نفسها كل الوقت، تسرق كل شيء، ويعايرها الجميع بذلك بشكلٍ كوميدي. في الوقت نفسه، مطلوب من كسّاب أن تعطي مشاعر جادّة لحظة اكتشافها عودة ابنها المخطوف منذ سنوات. طبعاً لا ينجح المشهد كما يجب، بل يسقط أحياناً، لأن هيبة المؤدي تكون قد كُسرت أمام المشاهد الذي سخر منه منذ دقائق. من جهةٍ ثانية مزيج الشخصية الخاصة بالعمدة أيضاً غريب، إذ يتنقّل بين الجد والهزل واللعب والعنف الشديد في ثوانٍ قصيرة. الأغرب أن المخرج يستخدم الفواصل والخلفيات الموسيقية لإخبار المشاهدين بنوعية المشهد المعطى؛ مثلاً حين يتحدّث العمدة مع عايدة أو دلال تتغيّر الموسيقى وتصبح شاعرية، فيما مع نرجس أو ثريا تصبح ساخرة. المشكلة الكبرى الثانية في المسلسل أن لا خصم حقيقياً أو قوياً لبطل العمل حتى يعطيه مصداقية وألقاً، ناهيك بأي شخصية رجولية في العمل: جميع المؤدّين الرجال في العمل هم ممثلون إما غير معروفين أو لا يمتلكون حيز دور كبير، أو حتى من الممثلين الشباب الذين لا يجيدون الحرفة بمقدار محمد رمضان. يمكن فقط الإشارة إلى منذر رياحنة كنجم له ثقله، لكنه لم يظهر بشكل كبير. هذا الغياب الرجولي قد يعتقد المخرج/ الكاتب وبالتأكيد محمد رمضان خلفهما أنه يعطي شخصية البطل أهمية أكثر ووقتاً أكبر على الشاشة، لكنه غير صحيح.
باختصار، المسلسل مسلٍّ بعض الشيء، لكنّه مكرّر، ربما بما يريح مشاهدي هذا النوع الراغبين في متابعة «العمدة» أو «الأسطورة» أو ما شابه في نوستالجيا جميلة مع الرجل المزواج وخلافات زوجاته عليه فيما هو «زاهد» فيهن، راغب في غيرهن في منطق مشابه لمسلسل «باب الحارة» وفلسفته. مسلسل يحاول محمد رمضان أن يبحث عن «أسطورته» فيه، وهو أمرٌ لن يحدث بالتأكيد في أعمالٍ مماثلة.

* «جعفر العمدة»: يومياً ــ الساعة 23:15 على dmc
* 19:15 على «dmc دراما»، وعلى «شاهد»