ثلاثة فنانين شبّان تقاسموا المساحة في «غاليري تانيت» ضمن معرض اختُتم قبل أيام. جانب من الغاليري خُصّص للثنائي ليتيسيا حكيم وطارق حداد في أعمال فوتوغرافيّة (ذات طابع تركيبيّ ضمن الكادر)، والجانب الآخر من الغاليري للفنان الياس نفاع الذي قدّم منحوتاته الخشبيّة المطليّة بالأبيض ذات الإطار المستطيل الذي يقرّبها من اللوحة.
ليتيسيا حكيم وطارق حداد ـ «كيف توقف نمو حجرة» (طباعة نافثة للحبر على ورق مقوّى وخشب ـ 25 × 25 ×÷ 7.5 سنتم)

لكنّ المعرضين جُمعا تحت عنوان واحد هو «اضطرابات: عن القوة والخسارة». منح الثنائيّ ليتيسيا حكيم وطارق حداد أعمالهما المشتركة عنوان «كيف توقف نمو حجرة» حاولا فيه إظهار مفارقة القوة وفهم ديناميّات النظم الاجتماعية، فمشروعهما الفنّي ولد من رحم الإحباط وخيبة الأمل من الركود السياسيّ الذي تبع حراك 2019، فمضيا يكتشفان اختلال ميزان القوى على نحو مجازيّ في لعبة «حجر، ورقة ومقصّ» (الحجر والورقة والمقصّ هي الأدوات المتكرّرة في مجموعة الفوتوغرافيّات المتماثلة تيماتيّاً، أي هي تنويعات على تكوين واحد). لو فُقد عنصر واحد لفقد التكوين انسجامه. في هذه المجموعة، طرح الفنّانان أسئلة حول كيفيّة تحدّي الهيمنة وهشاشة التعرّض للأذى والانهيار، ما يجرّد واقعنا من المعنى المتماسك. إنّه تعليق بصريّ على صراع القوة والهشاشة والعبثية. حكيم وحدّاد مصوّران ينطلقان دوماً من تفاعلهما مع الحوادث والمستجدّات الآنية، فيتأمّلان تحوّلاتها وما تنطوي عليه من صعود وهبوط، تقدّم وتراجع، أمل وخيبة، مستجيبين لذلك عبر طرح الأسئلة. أقاما معارض سابقة بين بيروت وفرنسا وبلجيكا، ونالا عام 2022 جائزة من «مؤسسة بوغوصيان للفنون البصريّة».
‏الجانب الآخر من المعرض استضاف أعمال الفنان الشاب الياس نفّاع ذي الخلفيّة المستمدّة من دراسته الهندسة المعماريّة. ينظر إلى المكان بصفته موقعاً لرواية القصص، ملقياً في الوقت نفسه ضوءاً على السياسة من خلال النظرة الذاتيّة (subjective). في عام 2021، كان الفنان الأصغر الذي اختير لمعرض «أضواء لبنان: الفن الحديث والمعاصر منذ عام 1950 حتى اليوم» الذي أقامه «معهد العالم العربي» في باريس. كما أقام معرضه المنفرد الأول عام 2022 في «آرت لاب» في بيروت تحت عنوان «نبضات».
في «غاليري تانيت»، قدّم نفّاع منحوتاته الخشبية (خشب الأرز ) المطليّة بالأبيض ذات الإطار المستطيل الذي يقرّبها من اللوحة النافرة تجسيداً. اللوحة (أو المنحوتة) النافرة ليست ابتكاراً جديداً، فنرى مثلها في أعمال السوري غسان أبو راس، واللبناني المعروف محمد الروّاس الذي يستخدم موادَّ مختلفة بين الخشب والمعدن.
ينظر الياس نفّاع إلى المكان بصفته موقعاً لرواية القصص

لعلّ المرجع الأكثر إثارة في هذا الاتجاه هو معرض «المرئي المحسوس» الذي أقامه «متحف بوشكين» في موسكو الذي ضمّ لوحات جميلة مخصّصة للمكفوفين الذين لا يبصرون، فيدنون من اللوحة من خلال لمس نتوءاتها. أسلوب اعتمده الفنان الفرنسي المشهور هنري روسو الذي ينتمي إلى مدرسة ما بعد الانطباعية، فضلاً عن أعمال الفرنسي الآخر جان باتيست شاردان، ولوحة الكبير غوغان التي تحمل عنوان «هل تغارين؟»...
منحوتة/ لوحة نفّاع تتميّز بتنويع الأشكال والرموز (طيور، جنين داخل الرحم، إنسان مقلوب وطير...) التي تميل إلى التجريد وفي عددٍ منها إلى وحدة الموضوع، وما يوحّد الرؤية فيها أنّها مطليّة كلّها باللون الأبيض كي يكوّن منها الفنان فرادةً خاصة به منطوية على قدر من الجاذبية والإثارة ذات المنحى الحديث والمعاصر.
حاول المعرض تقديم فكرة عن اتجاهات شبابيّة معاصرة تنشد الاختلاف والانتماء الواضح إلى فنّ حداثة ينتمي إلى زمننا التشكيليّ بامتياز وله طالبوه ومقدّروه في الأوساط الشبابيّة التي تؤثر التعبير الحديث على ذاك التقليدي.