كان لدى الراحل فيصل فرحات الكثير ليقوله، ويكتبه، ويؤديه. المسرحي اللبناني رحل بهدوءٍ قبل أيام في شقته فوق أحد السطوح في منطقة رأس بيروت. الكل تقريباً عرفه سواء من خلال المسرحيات التي كتبها أو أخرجها، أو حتى شارك فيها مؤدياً. صديق الراحل الكبير جلال خوري والشاعر جوزيف حرب والمثقف اليساري وابن الحزب الشيوعي اللبناني، عانى في أواخر أيامه من العوز، وكان ينتظر بعض المال علّه يساعده لإتمام عمليةٍ جراحية احتاج إليها. عمل المثقف الراحل في العديد من المؤسسات والعديد من الأعمال. فكان بائعاً متجوّلاً للكتب، ومندوباً لبيع مواد الدهان، ومندوباً لبيع الخشب، والعديد من الوظائف التي كانت تسدّ رمقه، هو الذي لم يكن يرى إلا الثقافة حاجته الرئيسية وماء روايته.

ثقافياً، لا ننسى للراحل مسرحية «معو حق إبني» التي كانت باكورة أعماله، وانطلاقته الفعلية. مسرحية اقتبسها عن مسرحية جلال خوري المعروفة «جحا في القرى الأمامية» وقد أخرجتها وقتها سهام ناصر. عُرضت المسرحية في بيروت، وكفررمان، وصيدا، وصور، وبرجا بدءاً من عام 1976. في العام ذاته، عُرضت له مسرحية «مزرعة معزولة» ضمن احتفالية «دراما مين؟» على مسرح «الويست هول» في الجامعة الأميركية، وقد أخرجها أنيس سماحة آنذاك. في السنة التي تلتها، قدّم مسرحية «كفر جبروت» التي عرضها في جباع وصيدا وصور، وأخرجها كذلك. أتبعها لاحقاً بمسرحية «لبنان في لوحات مسرحية» التي عرضها في يوم المرأة العالمي على مسرح الأونيسكو، وكذلك على مسرح كلية التربية في الجامعة اللبنانية. غاب بعد ذلك عاماً واحداً، ثم أتبعها بمسرحية «سقوط عويس آغا» التي أخرجها بنفسه وقدّمها على مسرح «جان دارك» في الحمرا المنطقة التي سكنها وأحبّها. أثارت هذه المسرحية العديد من المشاكل لفرحات، إذ يشير كثيرون من بينهم صديقه الناشر سليمان بختي، إلى أنها عرّضته للمساءلة من قادة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في ذلك الوقت.
انهمك فيصل فرحات بعد ذلك بعالم الكتابة، فكتب مخطوطاتٍ عدّة بدءاً من عام 1979، مع مسرحيته «نايم الأخ»، و«خمسة بتاخدن ستة» (1990)، و«الأفق الآخر» (1990)، و«الاستعمار العائلي» (1991) و«فرج الله في البال» (2002). ما ميّز فيصل فرحات هو ثقافته الواسعة والمتنوّعة، إذ عمل على مخطوطاتٍ مسرحية باللغة الإنكليزية مثل Women and a man و The other love وغيرهما. ولأن ثقافته واسعة وحياته مليئة بالأحداث، قرّر أن يخوض غمار تجربة «السردية الذاتية»، فأنجز مجموعة كتبٍ تناولت حياته ذاتها: «يوم بدأت الكتابة» في عام 2008 (تُرجم الكتاب إلى اللغة الفرنسية عبر أنطوان بولاد وصدر عن «دار ضرغام» في عام 2009). في عام 2009، كتب «رهبة الكتابة» (دار نلسن) ليتبعه في عام 2011 بكتابين «عمر الولدنة» و«فتنة زمانه». ثم في عام 2012، كتب «إبن الحزب وقصص أخرى» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر)، ثم «مجنون بن بيروت»، و«أربع مسرحيات»، و«باع سمك بالبحر» و«يوم في حياة كاتب» (2015) و«شالوم إم مصطفى» (2019). آخر كتبه كان «قيامة لبنان المنهار» العام الفائت. كتب فرحات الكثير من المقالات في السياسة، والفكر، والأدب والثقافة، والمسرح، وقد كان لـ«الأخبار» نصيبٌ كبيرٌ من مشاركاته.
امتاز فيصل فرحات بواقعيته العالية، بصدقه، بمباشرته، وكانت لغته المسرحية كما الكتابية، شبيهة به. حاول أن يصوّر حياة الكاتب والمناضل والثائر والمسرحي في آنٍ معاً، تلك الحياة التي عاشها بصخبٍ على طريقته، لكنه رحل بهدوءٍ لا يشبهها البتة، ولو أنّ الأمر كان متوقّعاً في بلاد باتت تلفظ الفن والثقافة. فيصل الذي عرفه شارع الحمرا كمثقفٍ جوّال، سيظلّ الشارع يتذكّره ربما ليس اليوم، لكن بالتأكيد سيأتي يومٌ يذكر فيه اسم الرجل، ليس لأنه يستحقّ فحسب، بل لأن الحضارة لا تُبنى إلا بالثقافة والمثقفين، وفيصل كان واحداً منهم.