«مثل واحة… بالأسود والأبيض» عنوان معرض نيكول بولدوكيان المستمرّ في «غاليري صالح بركات» حتى العاشر من شباط (فبراير) الجاري. يتضمّن المعرض سلسلة من أشجار النخيل التي تشكل الجزء الأكبر من لوحات لأصناف من الشجر ترمي الفنانة من خلالها إلى هدف «إيكولوجيّ» بيئيّ يستعرض أنواع الأشجار المعرَّضة لخطر الانقراض لكونها مغزوَّة من حشرات مفترسة، وهي نتيجة غير مباشرة للتغيّر المناخي. تقول الفنانة لنا: «أحبّ أشجار النخيل لجلالها وأناقتها الطبيعيّة ومرونتها ومقاومتها العوامل المناخيّة. أرسم هذه الأشجار بأقلام الحبر الهندي على الورق، مستندةً إلى صور فوتوغرافية التقطتها، وأنقل رؤيتي لواقعها مثلما أشعر به... لعلّي أسهم عبر رسم هذه الأشجار في إنقاذها، ولو لفترة زمنية محدودة».
«شجرة النخيل 1» (حبر على كانسون على كانفاس ـــ 70 × 50 سنتم ــ 2020)

إذاً استلهمت موضوعها بشكل أساسي من أشجار النخيل التي تجذب العصافير وتتمايل تحت ضوء القمر، وهي تمثل أساساً في تقاليد البلاد الصحراوية حيث تشمخ في واحاتها، وحتى وسط المدن الخليجية الحديثة. في هذا الجزء من العالم، ثمّة ما يوقظ الرغبة في الرسم. حتّى إنّ الفنانة تستخدم لرسومها بالأسود والأبيض، موادّ طبيعيّة صديقة للبيئة، وبينها القلم على «البرسبيكس» الشفاف، ويتميّز عدد من هذه الأعمال بخطوط دقيقة أو تمشيحات بالقلم. تنطلق الفنانة من خلفيّة فلسفيّة رواقيّة تشي بقيمة الطبيعة كرمز للحياة والقدرة المطلقة. ترسم بأقلام الحبر الهندي على الورق، أشكالاً بديعة لشجرات النخيل، تزخرفها وتزيّنها بالخطوط المتداخلة والمتقاطعة، بطريقة هندسية تردّنا إلى الفن الزخرفيّ الممتد جذوراً إلى الأزمنة القديمة حين كانت تُعتبر مرآة للحضارات المختلفة، خاصة في الشرق، من الهند إلى منطقتنا العربية تعكس نظم العيش والعادات والتقاليد والمكوّنات الطبيعية. فنّ بسيط يبعث في النفس راحة وسكينة.
تزيّنها بطريقة هندسية تردّنا إلى الفن الزخرفيّ الممتدّ جذوراً إلى الأزمنة القديمة


يمكن لرسوم النخيل هذه أن تزيّن الجدران أيضاً، إذ تنطوي على جانب من «الزينة». فضلاً عن النخيل، تعرّج بولدوكيان في مجموعتها هذه على الغابات اللبنانية وأشجارها المتنوّعة بأصناف غنيّة، لتضعها في إطار فنّي، متلقّفة جمالياتها. الشجرة بالنسبة إلى الفنانة أقوى من الإنسان، تخرج إلى النور من العدم، وتتسلّل غصونها بين الصخور والجدران. ورغم هذا التنوّع «الشجريّ» في المعرض المقام حالياً، تعطي بولدوكيان الأولويّة لشجرة النخيل الرشيقة، التي تُسقى في بلاد العرب بمياه البحر المالحة إن لم يسقها المطر الشحيح.
وهذا الأمر البيئي بالنسبة إلى الرسّامة أمر مهدّد، خطير، قد يؤدّي إلى زوال هذه الشجرة الجميلة، رغم صلابتها وتحدّيها أقسى الأحوال المناخية الصحراوية، فضلاً عن كونها مصدراً لعدد من الثمار المغذية كالتمر وزيت النخيل. وهي في لوحات الرسّامة آسرة بهيّة، إنّما على الخلفيّة الرماديّة. وفي هذا الاختيار تركيز على جمال شجرة وعلى مصير رماديّ يتهدّدها. لا أبعاد فنيّة تشكيليّة مميّزة في هذا المعرض سوى حب الفنانة للشجرة ودفاعها البيئي عنها.

* «مثل واحة… بالأسود والأبيض»: حتى 10 شباط (فبراير) 2023 ــ «غاليري صالح بركات» (كليمنصو ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/365615