قد يصحّ وصف المشهد الإعلاميّ اللبنانيّ هذا العام بالأهدأ منذ سنوات، رغم ازدحام الأحداث الكبيرة وغير المسبوقة على شاشاته وصفحاته. هذه المفارقة سببها الانعطافة الكبرى في العام الماضي التي عوّدت اللبنانيين على المفاجآت التي يقدّمها لهم إعلامهم عبر طريقته الفظّة، ما جعلهم يتوقّعون منه كلّ شيء وأيّ شيء مهما بدا نافراً أو وقحاً. أبرز الأحداث التي طبعت 2022 كانت كالعادة محلّية وأهمّها الانتخابات النيابية، لكنّ تغيّراً جديداً طرأ هذه المرّة وهو تعدّد الأحداث العالمية التي أخذت حيّزاً مهماً في لبنان.افتتح الإعلام اللبنانيّ عام 2022 على وقع إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري اعتزاله الحياة السياسية وعزوفه وتيّاره عن المشاركة في الانتخابات النيابية. وجدت القنوات التلفزيونية في الحدث مناسبةً لتلميع صفحة الحريري واعتباره «أفضل» من «السياسيين» الآخرين، متناسيةً كلّ علاقاته الأخطبوطية داخل الدولة العميقة وملفات الفساد المرتبطة بأسماء في تياره منذ أيام والده، ومحوّلةً إيّاه إلى «بطل» ضحّى بنفسه من أجل البلد، بعدما كانت هي نفسها تحتفل باستقالة حكومته بُعيد 17 تشرين الأول 2019 وتنسب «البطولة» تلك إلى «الثوار».
انشغل الإعلام بتوقيف الممثلة ستيفاني صليبا

في السياق أيضاً، عرضت قناة LBCI في نشراتها الإخبارية سلسلة «التاريخ الذي لم يُروَ» (إعداد جاد غصن) التي يُفترض أنّها تتناول «أمراء الحرب والمال» منذ تسعينيات القرن الماضي، إلّا أنّها ذكرت اسم رفيق الحريري من دون أيّ نوع من الانتقاد، ولا حتى لسياساته الاقتصادية التي يعاني البلد من نتائجها اليوم. الأمر انسحب على باقي الأسماء السياسية كذلك، إذ خلطت السلسلة الحابل بالنابل، وانحصر نقدها بالعموميات ووضع «الجميع» في قالب واحد. كلّ هذا جاء بعدما أثار ملصق السلسلة الإعلاني الجدل لوضعه صورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وهو يحمل سلاحاً اغتنمه من العدوّ بعد تحرير الأرض، متوسّطةً صوَراً لزعماء شاركوا في الاقتتال الداخلي خلال الحرب الأهلية.
«المادّة الدسمة» التي اقتطفها الإعلام اللبناني كما العالمي، تمثّلت في إطلاق روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا أواخر شباط (فبراير) الماضي. كما بات معلوماً، تحوّل الإعلام الغربي نحو سرديات حكوماته ذات التعابير العنصرية والمعايير المزدوجة في محاولة لحشد الدعم ليس لأوكرانيا فحسب، بل لحلف الـ«ناتو» بشكل أساس. أمر كان متوقّعاً من إعلام غربيّ شاهد العالم طريقة تغطيته لحروب العراق وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين، لكنّ الجديد كان حذو بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية حذو الإعلام الغربي وتبنّي سردياته وطرقه جهاراً، والانحياز إلى طرف ضدّ آخر في حرب لا مصلحة للبنان في أخذ طرف فيها. وبذلك، خالفت كلّ ما كانت تنادي به من «نأي بالنفس»، تبيّن أنّه ليس سوى شعار سياسيّ يُستخدم غبّ الطلب. هكذا، اتهم بعض القنوات اللبنانية روسيا بالتسبّب في أزمتَي القمح والغاز، ودافع عن وجهة نظر الولايات المتحدة حول «الاجتياح» ووصل به الأمر إلى بعث مراسلين إلى أوكرانيا لتغطية يوميات الحرب هناك عبر نقل مباشر وتقارير مصوّرة. لكنّ القنوات نفسها عادت واستغلّت استشهاد الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة على يد قوات الاحتلال في شهر أيار (مايو) الماضي، من أجل غسل يديها من موبقات تغطية الحرب في أوكرانيا وادّعاء حرصها على «العداء» لكيان العدوّ ولو أنّها تدعم الغرب في أوكرانيا ضدّ «الدبّ الروسيّ الشارد».
أخذت الأحداث العالمية الكثيرة حيّزاً مهماً في المشهد المحلي


في أواخر نيسان (أبريل)، أثار غرق الزورق الذي كان يقلّ مهاجرين غير شرعيّين قبالة سواحل طرابلس، موجة غضب شعبيةً وجدت طريقها إلى الإعلام. وانقسم الإعلام اللبنانيّ في توجيه أصابع الاتهام، فوجِّهت الاتهامات إلى كلّ من الجيش اللبنانيّ و«الدولة» وصاحب الزورق والمهاجرين ونواب طرابلس وفاعلياتها، وصولاً إلى استغلال بعض الوسائل الإعلامية كما بعض السياسيين الحدث من أجل التصويب على الخصوم، خصوصاً قبل شهر تقريباً من الانتخابات، وفي ظلّ بلوغ العصبيات السياسية ذروتها خلال تلك الفترة. واستمرّت تغطية الحدث بتعبئة الشاشات لأسابيع، خصوصاً مع استطالة أمد البحث عن المفقودين والجثث ومحاولة الوصول إلى حقيقة ما حصل.
في أيار (مايو) الماضي، أجريت الانتخابات النيابية، وكما عند كلّ استحقاق انتخابيّ، انقلب المشهد الإعلاميّ رأساً على عقب. بدأ الحشد السياسيّ والماليّ قبل أشهر من الانتخابات واستمرّ حتى بعدها (عند انتخاب رئيس المجلس ونائب الرئيس واللجان). كانت القنوات منذ نهاية العام الماضي، قد بدأت ببثّ الرسائل السياسية وكيل الاتهامات إلى أطراف محدّدة، كلّ حسب توجّهاتها، واستغنت عن برامجها الترفيهية لمصلحة برامج سياسية وحوارية كان باكورتها برنامج «وهلّق شو» بحلّته الجديدة على قناة «الجديد». ورغم الأزمة في البلد، إلّا أنّ ذلك لم يمنع المرشحين من دفع مبالغ طائلة طلبتها القنوات مقابل إعطائهم منابرَ على هوائها، وصلت إلى آلاف الدولارات في الدقيقة! بسبب ما تقدّم، رجحت كفّة طرف سياسيّ يمتلك الأموال في مقابل آخر بالكاد تمكّن من الصرف على إعلاناته، ما جعل المشهد سوريالياً من حيث إيهام الناس بأنّ رأي الجميع «موحّد» حول الانتخابات وأنّ البلد رهينة خصم «لا شرعية له».
المفاجأة كانت بعد فرز الأصوات وإعلان النتائج بشكل نهائيّ؛ لكن بين يوم الانتخابات ويوم الإعلان، مرّ يوم أقنعت فيه القنوات الثلاث الرئيسية الناسَ بأنّ حزب «القوات» حقّق فوزاً كبيراً و«اكتسح المقاعد المسيحية»، ليتبيّن في ما بعد أنّ مقاعده ازدادت عن الدورة السابقة لكنّها لم تتخطّ عدد مقاعد «التيار الوطني الحرّ» كما حاولت القنوات تصوير الأمر. نتائج الانتخابات أتت مخيّبة لآمال بعض القنوات، ولا سيّما mtv و«الجديد» اللتين ضخّتا الرسائل السياسية ضدّ التيار و«حزب الله» ليس فقط على مدى الأشهر التي سبقت الانتخابات، بل لسنوات أيضاً، وتجلّت الخيبة في تخبّط المحلّلين الذين استضافتاهم وفي محاولتهما تبرير النتائج تارةً بقانون الانتخاب، وطوراً بادّعاء التزوير، على طريقة «حقّ يراد به باطل». لكنّهما رغم ذلك احتفتا بخسارة بعض مرشّحي «8 آذار» للانتخابات. أمّا LBCI فانضمّت إلى القناتَين للاحتفال بفوز مَن أطلِق عليهم «النواب التغييريين» و«نواب الثورة»، إذ استضافت القنوات الثلاث بعضهم في الليلة نفسها من يوم الانتخابات، مهلّلةً بالتغيير المنشود الذي يُفترض أنّهم سيأتون به. كما استضافت مسؤولين أميركيين أمثال ديفيد شينكر للحديث عن الموضوع. وقد اعترف شينكر بتدخّله في لوائح انتخابية، ما أشعل مواقع التواصل. لكنّ «الكرزة على قالب الحلوى» كانت من صنع mtv وبرنامجها «صار الوقت» الذي يقدّمه مارسيل غانم، إذ استضاف النواب المذكورين في حلقة استعراضية لم تخلُ من الرسائل السياسية ونوبة رقص على أنغام «الثورة»، في مشهد أثار موجة من الانتقادات نظراً إلى ما يمثّله غانم كما mtv في النظام الذي يُفترض أنّ «الثورة» ضدّه. أمّا «الجديد» وLBCI ففتحتا هواءهما لدعم المرشح جاد غصن (بعد انتهاء عملية الاقتراع) الذي كاد أن يحقّق الحاصل بفارق عدد أصوات ضئيل ويصل بذلك إلى المجلس النيابيّ. الخيبة الكبرى كانت لرجل الأعمال بهاء الحريري ومنصّته الإعلامية «صوت بيروت إنترناشونال» التي استحدثت نشرة إخبارية وأفردت برامجها السياسية قبل الانتخابات من أجل بث الدعاية ضدّ خصومه من «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» إلى شقيقه وتيار «المستقبل». إلّا أنّ البرامج تلك لم تأتِ بنتائج تُذكر للّوائح التي دعمها بهاء، ما دفعه إلى خفض ميزانية منصّته والتخلّي عن البرامج السياسية وأغلب البرامج الأخرى بما فيها تلك التي عُرضت بشكل مشترك على شاشة LBCI.

خصّصت LBCI فقرات يومية خلال نشرات الأخبار لدعم فرقة «ميّاس»

بعد الانتخابات، خفتت الدعاية السياسية، وتصدّر المشهدَ الإعلاميّ قرارُ زيادة تعرفة الاتصالات، قبل أن يُستبدَل بحريق أهراءات القمح التي دمّرها الانفجار في مرفأ بيروت قبل سنتَين. الحريق استمرّ لأيام عدّة، خصوصاً مع تجدّده المتكرّر وعدم القدرة على إخماده، وتسبّبه في انهيار صوامع الأهراءات الشمالية على دفعات، ما استدعى القنوات لإثارة الضجّة حوله وحول قرار الحكومة القاضي بهدم المبنى بكامله، فنقلت مشاهد الحريق في بثّ مباشر متواصل. في سياق متّصل، استُكمل مسلسل الدفاع عن القاضي طارق البيطار ووضعه أهالي الموقوفين في وجه أهالي الضحايا، وأفردت القنوات المهيمنة حملة إعلامية ضدّ وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري لمجرّد «تفكيره» في تعيين قاضٍ رديف يسيّر أمور الموقوفين، متّهمة إيّاه بمحاولة «تطيير التحقيق» الذي لم يتحرّك فيه ساكن منذ أكثر من سنة! القنوات المذكورة نصّبت نفسها وكيل دفاع عن المطران موسى الحاج بعدما تفاعلت قضية دخوله الأراضي الفلسطينية المحتلة وعودته منها محمّلاً بأموال لذوي العملاء الفارّين، واستمرّت mtv بشكل خاصّ في دفاعها عنه لأسابيع.
السوداوية التي اتّسم بها المشهد الإعلامي خلال النصف الأوّل من السنة، قوبلت بحملات إعلامية أعطت صورة جميلة عن لبنان خلال فصل الصيف. في هذا السياق، برز دور LBCI من خلال ترويجها لحملة «أهلا بهالطلّة» التي أطلقتها وزارة السياحة بالتعاون مع جمعية Live Love، عبر تقارير يومية من مختلف المناطق اللبنانية استهلّت بها نشرات أخبارها. أعطت القناة أيضاً مساحة واسعة لدعم «منتخب الأرز» لكرة السلّة وإنجازاته في بطولة كأس آسيا التي حلّ فيها ثانياً، وكذا بالنسبة إلى فرقة «ميّاس» التي فازت في برنامج America’s Got Talent، حيث خصّصت لها القناة فقرات يومية خلال نشرات الأخبار. أمّا الأهمّ، فكان عودة احتفال انتخاب «ملكة جمال لبنان» بعد أربع سنوات من الغياب، فأقامت له LBCI حملة إعلانية ضخمة ونقلت فعالياته مباشرةً على الهواء، وكانت نتيجته فوز ياسمينا زيتون باللقب.
المشاهد «المفرحة» لم تدم طويلاً، خصوصاً مع استمرار الحكومة في تصريف الأعمال بعد استقالتها حكماً على إثر تولّي المجلس النيابيّ الجديد مهامّه، وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنونيّ بعد «تهدئته» قبل الانتخابات. شهد لبنان، خلال شهر أيلول (سبتمبر)، سلسلة هجمات غير مسبوقة على عدد من فروع المصارف حاول فيها بعض المودعين استرجاع أموالهم المحتجزة بالقوّة. وهنا كان التبدّل الكبير في أداء الإعلام المهيمن الذي لم يعد قادراً على الدفاع عن المصارف كما اعتاد في السنوات الماضية، فاضطرّ إلى اعتماد لغة ديماغوجية والتعاطف مع المقتحمين وإجراء مقابلات معهم، ولا سيّما سالي حافظ، التي ظهرت في مقابلة خاصّة على كلّ من «الجديد» وLBCI. واضطرت القناة الأخيرة إلى المزج بين أخبار الاقتحامات وأخبار فرقة «ميّاس».
نتائج الانتخابات أتت مخيّبة لآمال بعض القنوات، ولا سيّما mtv و«الجديد»


في أيلول أيضاً، توفيت الملكة البريطانية إليزابيت الثانية، فاكتسح الخبر الإعلام العالميّ كما اللبنانيّ، الذي بدوره أفرد شاشاته لتغطية تبعات الحدث مثل الجنازة وتسلّم الملك تشارلز الثالث العرش، فاتّجهت LBCI مثلاً نحو النقل المباشر للحدث. تباكي الإعلام اللبنانيّ على الملكة لم يكن مفهوماً، تماماً كما إعلان الحكومة اللبنانية الحداد الرسميّ، إذ تمّ التعاطي مع وفاتها كأنّها شخصية لبنانية في وقت كانت الملكة من الداعمين لـ«إسرائيل» كما لمختلف الحروب الخشنة والناعمة التي أضرّت بلبنان. وفي الشهر ذاته، اندلعت الاحتجاجات في إيران على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني، فوجدها الإعلام المهيمن فرصة لاستغلالها سياسياً ضدّ «حزب الله»، فيما دافعت قناة «المنار» عن وجهة نظر السلطات الإيرانية، خصوصاً من ناحية تأجيج الولايات المتحدة للاحتجاجات خدمةً لمصالحها. أمّا في تشرين الأوّل (أكتوبر)، فتفاعلت قضية استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصّة «تويتر»، كما أخبار عودة الفاشية إلى أوروبا بعد وصول جورجيا ميلوني إلى رئاسة الحكومة الإيطالية.

أبى هشام حدّاد إلّا أن يطلّ على mtv في برنامج جديد، ويغنّي في مديح القناة التي لطالما سخر منها

الربع الأخير من العام كان حافلاً بكلّ معنى الكلمة، إذ شهد أحداثاً ملأت الشاشات لأوقات طويلة. أول هذه الأحداث كان مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع العدوّ، التي أعيد تحريك مياهها الراكدة على إثر تهديدات المقاومة للعدوّ وإرسالها مسيّرات تحذيرية. استنفر الإعلام اللبنانيّ لمواكبة تطوّرات الترسيم واستضافة الخبراء في الموضوع، وبدأ بعضه ولا سيّما mtv بالمزايدة على المقاومة ومحاولة استبعاد أيّ تأثير يُذكر لدورها على مسار المفاوضات، فيما استكملت «الجديد» هجومها على الرئيس ميشال عون و«التيار الوطني الحرّ». واستضافت LBCI الوسيط الأميركي آموس هوكشتين مرّات عدّة خلال زياراته المتكرّرة للبنان، وكان في بعض الأسئلة التي وجّهتها إليه رنيم أبو خزام انحياز سياسيّ واضح ولغة لم تعتمدها حتى الولايات المتحدة، ما اضطرّ هوكشتين نفسه إلى نفض يده منها! أمّا OTV وNBN فاعتبرتا أنّ الترسيم «إنجاز» مهمّ ونسبتاه إلى الرئيسَين عون وبرّي على التوالي، فيما أشادت «المنار» بدور المقاومة الذي قوّى موقف الدولة في موضوع الترسيم. أمّا الحدث الثاني، فكان على بعد أيّام من إعلان اتفاق الترسيم، وهو انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في آخر تشرين الأوّل، فانقسم المشهد الإعلاميّ بين قنوات أكّدت أنّها باقية معه «حتى آخر نفس» مثل OTV، وأخرى احتفلت برحيله ولا سيّما mtv و«الجديد» وNBN، والأخيرة استخدمها الرئيس نبيه برّي لإيصال رسائله السياسية ضدّ «التيار الوطني الحر» إبان التوتّر الذي ساد علاقة الطرفين. كذلك، وقع إشكال خلال برنامج «صار الوقت» في بداية تشرين الثاني (نوفمبر) بين جمهور التيار من جهة وعناصر أمن mtv من جهة أخرى، ما أشعل حرباً إعلامية بين قناة المرّ وOTV. تلت ذلك جلسات نيابية لانتخاب رئيس جديد، فروّج الإعلام المهيمن لميشال معوّض في تماهٍ تامّ مع أطراف سياسية دون غيرها. توالت الأزمات بعد ذلك وصولاً إلى عقد جلسة حكومية تسبّبت في خلاف بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، ما شكّل مادّة مهمّة إعلامياً.
بين شهرَي تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأوّل (ديسمبر)، خطفت الأنظار بطولة كأس العالم لكرة القدم، فاستحدثت القنوات اللبنانية برامجَ وفقرات في نشرات أخبارها تمحورت حول يوميات المونديال، وبعثت مراسلين لتغطية الحدث الكرويّ العالميّ. ولئن لا يمكن نفي الإنجاز القطري في إقامة البطولة بمستوى تنظيم غير مسبوق، إلّا أنّ بعض القنوات أصرّ على المبالغة في تمجيد قطر كأنّها أوّل دولة تستضيف كأس العالم في التاريخ، إلى حدّ بدا كأنّ تلك القنوات تقدّم فروض الطاعة! مع ذلك، توحّد الإعلام اللبنانيّ خلف المنتخب المغربيّ في مشوار بلوغه نصف النهائي، نظراً إلى اعتباره منتخباً يجمع العرب بكلّ جنسياتهم. لكنّ تلك الادّعاءات ما لبثت أن سقطت، خصوصاً عند القنوات الثلاث المهيمنة، بعد الكشف عن فاشيتها من خلال تغطيتها المنحازة للإشكال الذي وقع في ساحة ساسين في الأشرفية بين شبان من سكّان المنطقة ومشجّعين لمنتخب المغرب دخلوا المنطقة على الدراجات النارية؛ فوجدت mtv مثلاً في الحادثة فرصةً مثالية لبخّ سمومها الطائفية والمذهبية وتضليل مشاهديها ونشر أكاذيب من قبيل أنّ المحتفلين بفوز المغرب، شتموا مريم العذراء. على أيّ حال، فإنّ تغطية الإعلام اللبنانيّ لمجريات أحداث المونديال كانت شاملة ومفيدة، في ظلّ عدم قدرة معظم اللبنانيين على الاشتراك في قنوات كأس العالم وتعذّر نقل تلفزيون لبنان للمباريات.
احتفلت mtv و«الجديد» وLBCI بفوز مَن أُطلقت عليهم تسمية «النواب التغييريين» و«نواب الثورة»

في الربع الأخير من العام أيضاً، نالت أحداث متفرّقة أهمّية في نشرات الأخبار، أبرزها قضية انتشار الكوليرا، والفيضانات على الطرقات التي أودت بضحايا، وملفّ الفساد والتوقيفات في النافعة، وقضية توقيف الممثلة ستيفاني صليبا على خلفية علاقتها بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبروز جماعة «جنود الرب» في الواجهة وعلاقة المصرفي أنطون الصحناوي بها. أمّا آخر القضايا، فكان مقتل أحد جنود اليونيفل الإيرلنديين في بلدة العاقبية، ما استغلّه بعض الإعلام المهيمن للتحريض ضدّ «حزب الله»، واستبق ليس التحقيق فقط، بل تعليق اليونيفل أيضاً، الذي عاد ودعا إلى التهدئة من دون اتّهام أحد. الجنوب بقي حديث آخر العام إعلامياً، إذ أثيرت قضية إشكال بلدة رميش، كما جلبت قناة «الجديد» الشتائم لنفسها بعد قول الممثلة جوانا كركي خلال برنامج «فشة خلق» إنّ «الطليان والإنكليز دخلوا بأهالي الجنوب ما أنتج أشخاصاً بعيون خضراء وشعر أشقر». ورغم ردّة الفعل الشعبية غير المبرّرة والمبالغ فيها، إلّا أنّ القائمين على القناة كانوا يدركون تماماً نوعية المحتوى الذي يبثّونه.
العام لم يكن ليسدل الستارة من دون مفاجأة، ولو تأخّر ظهورها حتى نهايته؛ فأبى هشام حدّاد إلّا أن يطلّ برأسه على شاشة mtv في برنامج جديد، ويغنّي (بلهجة خليجية مبتذلة) في مديح القناة التي لطالما سخر منها، ويبرّر استدارته تلك باتّهام LBCI التي أوصلت شهرته إلى ذروتها (من دون تسميتها) بأن «نسوا القضية»، مدّعياً أنّه وmtv اتفقا على «الثورة».... أو على «الثروة» كما يرى اللبنانيون. في كلّ الأحوال، يا لها من مفاجأة غير متوقّعة نختتم بها عامَ المفاجآت المتوقّعة!