تحت عنوان Escapism، افتتح معرض ليلى داغر الفردي الثاني في غاليري Art On 56th، متضمّناً 25 لوحة بالحجم الكبير، و16 بالحجم الصغير وسبع منحوتات لوجوه منفذة بالحجم الصغير باستخدام مادة الريزين.«الهروب، هو الحالة النفسيّة التي يعيشها كلّ فرد منّا حالياً، بعد الظروف التي مررنا بها في السنوات الثلاث الماضية» هذا ما تقوله داغر لنا. من خلال لوحاتها، تأخذنا الفنانة اللبنانية إلى العالم الوردي الذي جسّدته باستخدام عناصر من الطبيعة الحيّة، وعناصر أخرى طبيعتها صامتة. هذا العالم الوردي الذي ينسجه كلّ فرد منّا في خياله وعلى طريقته الخاصة للهروب من الواقع المرّ الذي يعيشه، تشاركنا إياه داغر.

«قطع من السماء» (أكريليك على كانفاس ــــ 80 × 200 سنتم ــــ 2021)

الخوف، القلق، والتفكير المستمر في المستقبل، أحاسيس تجسّد الحالة المسيطرة على الشخصيّات التي تصوّرها داغر في لوحاتها. وقد جمعت شخوصها ضمن تأليف يتصف بالسكينة والأمان والأحلام الورديّة، وبالتالي تشعرنا أعمال الفنانة بحالة التضاد الذي نعيشه حالياً: التضاد بين الواقع الذي نعجز عن تغييره، وبين المكان الهادئ الذي نهرب إليه في أفكارنا وخيالنا. لم تعتمد داغر فقط على هذا التضاد بين الشخصيات في لوحاتها والتأليف الذي يحيط بها، بل أصرّت أن تبدي ما بوسعها لتشعرنا بهذه الحالة المتناقضة بين الواقع والخيال من خلال ألوانها الحامية والباردة على المسطّح الفنّي نفسه.
باستخدامها الألوان الزيتيّة، نوّعت الفنانة في تقنيّاتها وتقميش اللّون حتّى أصبحنا ننظر إلى لوحة متعددة الخامات. كوّنت داغر تأليفات متماسكة للوحاتها وجمعتها ضمن فضاء متنوّع في الأشكال والأحجام، والألوان، والخطوط والخامات، فتكونت لوحاتها من مربعات ومستطيلات متجاورة يحتفي كلّ شكل منها بعناصر ومشهديّات وخامات مختلفة تجتمع مع بعضها لتشكّل لوحة متكاملة.
«لقد تهنا في مدينتنا فأصبحنا واحدة»، جملة تحملها إحدى اللّوحات


الطبيعة الحيّة من الزهور إلى الأشجار، الزخارف، الحيوانات الأليفة، والألوان الزاهية، هي ما ارتكزت إليه الفنانة في تمثيل العالم الوهمي المريح الذي نلجأ إليه للهروب من الأزمات المتتالية التي تحيطنا جميعاً. أمّا شخصيّات اللوحة الحالمة، فتمثلت في ألوان تعبيريّة وبحركة جسد تعبّر عن مدى توترها، وقد اختارت الفنانة عدم الغوص في رسم تفاصيل وجوه تلك الشخصيّات، لأن الحالة التي تقدمها لا تمثل شخصاً معيّناً، بل حالة كلّ مرء في هذه المرحلة الزمنية.
«لقد تهنا في مدينتنا فأصبحنا واحدة»، جملة تحملها إحدى اللّوحات للتأكيد على أنّ هذه المدينة لم تعد تكفي لتكون موطناً إلينا، فنسج كلّ واحد منّا موطناً يحتضنه في خياله ويتسع لأحلامه. عالمٌ وهميّ، هادئ ومسالم، تصوّره لنا ليلى داغر على طريقتها الخاصة، لتساعدنا على الهروب من كلّ ما يحصل لنا في هذه المدينة، لكن فكرة الهروب ليست سوى صفعة تذكّرنا بالواقع الأليم الذي لم نعد نستطيع مواجهته.