تحت عنوان «ألو بيروت؟» المستوحى من أغنية للراحلة صباح، افتتح «بيت بيروت» (السوديكو) فعاليات ثقافية متنوّعة تستمرّ طوال تسعة أشهر. تضمّن الاحتفال الافتتاحي أجواء تراثية وفنّية وثقافية تستعيد حقبة «عزّ المدينة» وتحاكي هذا الماضي بكامل تفاصيله، والهدف استعادة الماضي لمساءلة الحاضر وتصوّر مستقبل أفضل.‏من أنقاض أشهر الملاهي الليلية في عين المريسة عهدذاك «كاف دي روا» لمالكه بروسبير غي بارا، ولدت فكرة هذا النشاط الفني الممتدّ الذي لا يتحدّث عن بيروت ما قبل الحرب الأهلية فحسب، بل يوثّق أيضاً حقبةً من الفساد والسياسات المنحرفة التي سادت تلك الفترة. أمّا عرض «ألو بيروت؟»، فينهض على مشروع يختصر 11 عاماً من حياة فرنسية لبنانية تدعى دلفين دارمنسي أبي راشد التي أدخلها عشقها لبيروت زوايا المدينة، وشوارعها وبيوتها القديمة ومحالها وصالاتها السينمائية ومسارحها… فجمعت أرشيفاً ضخماً بمساعدة فنانين وصحافيين، وهذا الأرشيف يوحي بقوّة احتمالات الحياة وسط الانهيار.

25 غرفة تروي عصر المدينة الذهبي بين الأربعينيّات والسبعينيّات

انطلق الافتتاح من المساحة الخارجية لـ «بيت بيروت» بعروض فنية تحت عنوان clown me in شاركت فيها المغنّية رنين الشعّار التي أطلّت على الحضور من إحدى شرفات المكان لتسمعهم بصوتها القوي مجموعة من الأغاني الأصيلة طوال نصف ساعة، تلتها فرقة «طيّارة ورق» التي أعادت المشاركين إلى طفولة وذكريات وحنين إلى طيّارة الورق الزاهية الألوان. العرض متعة بصريّة حمل البهجة. أمّا المعرض الفنّي، فهو موزّع على نحو 25 غرفة يُروى في كلّ منها جانب من جوانبها، عصر بيروت الذهبي بين الأربعينيّات والسبعينيّات، بواسطة تقنيات صوتيّة وبصريّة وأرشيفيّة، فتؤوب مثلاً إلى حقبة الستينيّات من خلال أرشيف غي بارا مالك فندق «بالم بيتش» الذي احتضن أوّل مسارح «الشانسونييه» الضاحك والساخر المعروف بـ «مسرح الساعة العاشرة» الذي أنشأته الراحلة القديرة إيفيت سرسق. كما نعود إلى زمن فندق «إكسلسيور» الذي ضمّ «كاف دي روا»، ‏أحد أقدم وأشهر الملاهي الليلية. نتذكر غي بارا ناشطاً سياسياً وثقافياً لا رجل أعمال فحسب، ونعيد من خلال أرشيفه قراءة نقديّة وتحليليّة لبيروت الستينيّات، فيجول الزائرون بين الملهى ومكتب بروسبير غي بارا وإحدى الغرف المخصصة للعمليات المصرفية وغرفة الإدارة.
الوسائط الفنية المعتمدة هي إذاً الفيديو والصوت والأرشيف لتكوين ذاكرة تظهر هوية المدينة المتبدّلة عبر العقود. والفنانون العاملون على المشروع هم من الشبّان: كبريت، روان ناصيف، بيترا سرحال، وائل قديح، جوان باز، ليلي أبي شاهين، كريستيل خضر، إيفا سودرغايتي دويهي، رنا قبوط ورلى أبو درويش.
الوسائط الفنية المعتمدة هي الفيديو والصوت والأرشيف


رافقتنا رلى أبو درويش إلى إحدى الغرف الـ 25 التي تحمل عنوان «بقعة من الزمن» وقد جهّزتها مع زميلتها رنا قبوط، وتدور ثيمتها حول الدمار الذي طال مبنى «بيت بيروت» خلال الحرب. صور حيّة طالعة من وسط الركام الممتدّ إلى ساحة البرج التاريخيّة وباب إدريس والفنادق وصالات السينما والمقاهي... يتملّكنا التأثر الشديد والأسى على مدينة دمّرها جنون الحرب الأهلية ودورة العنف التي استمرّت 15 عاماً. حسرة وحنين يفضيان بنا إلى سؤالَي الحاضر والمستقبل: ‏هل تستعيد بيروت حياتها وموقعها ومكانتها التاريخيّة المميزة فناً وثقافةً؟ أم نحن إزاء آتٍ غامض، مجهول، مفتوح على سائر الاحتمالات؟ أسئلة صعبة ربما يستحيل توقّع أجوبة لها، سوى الأمل، الشعور الوحيد الذي نردّده ونواجه به مشاعر الألم والشك والقلق.

* «ألو بيروت؟»: حتى حزيران (يونيو) 2023 ـــــ «بيت بيروت» (السوديكو)