يُقدَّمُ العمل الفني «أبجدية النصر» (50.د) مساء الإثنين مع اختتام فعاليات «الأربعون ربيعاً»، التي تقيمها المقاومة، في ضاحية بيروت الجنوبية، إحياءً لأربعين عاماً على انطلاقة المقاومة في لبنان، وانتصار تموز 2006، والتحرير الثاني عام 2017. يندرج «أبجدية النصر» (إشراف عام: الشيخ علي ضاهر ـــــــ رؤية، وسيناريو، وتنفيذ: محمد كوثراني) في إطار عمل فني وتجهيزي متعدد الوسائط، ويأتي من إنتاج وحدة الأنشطة الإعلامية في «حزب الله»، و«الجمعية اللبنانية للفنون ــ رسالات». بحسب الناقد الفرنسي باتريس بافيس (1947)، تخرج وظيفة السرد في المسرح عن ابتداع الحدث الآني، لتكون مهمته «الشرح والتعليق والتقديم»، وهو يلعب دوراً مهماً في تكثيف وتفكيك وتشكيل وعي المتلقّين. قد يكون هذا التعريف منطلقاً لفهم مضمون العمل الفني «أبجديّة النصر»، الذي يقدم سردية جديدة لانطلاق المقاومة، ورصاصتها الأولى قبل أربعين عاماً، وما رافقها من محطات مفصلية وأحداث ومواقف نوعيّة وشخصيات قيادية، اضطلعت بدور في تحقيق انتصارات، والحفاظ على ديمومة المقاومة. يأتي ذلك ضمن سياق درامي يسرد نشأة حركة المقاومة، ويسلط الضوء على ديمومتها، بفعل تنظيمها وتراكم خبرتها وعملها.

يقتنع العاملون في «أبجدية النصر» بأنّ «الفن هو أبلغ وسائل التعبير»

محطات بارزة للمقاومة، ينقلها العمل الفني «أبجديّة النصر»، بدءاً من تحرير عام 2000، وحرب تموز 2006، مروراً بمعركة «تحرير الجرود»، وصولاً إلى «المعركة المالية والاقتصادية والنقدية، التي تخوضها المقاومة اليوم» وفق ما يؤكد محمد كوثراني لنا. سياقات تاريخية، وتقاطعات بين الماضي والحاضر، حقبات مختلفة من تاريخ المقاومة، تشكل منطلقاً للعمل الفني، الذي تتم مقاربته وفق هويّة بصريّة حروفيّة، تحاكي سردية «صناعة الأبجدية التي أُسِّس عليها لبنان»، وتضيف إليها أحداثاً وشخصيّات وحكايات، تهدف ـــ وفق القائمين على العمل ــ إلى «إخراج نسخة خاصّة من هذه الأبجديّة، تكون بمثابة قوّة حقيقيّة للبنان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه، وتشكّل داعماً نوعيّاً لانتشال البلد من نفقه المظلم، وإطباق السياسات الصهيونية عليه، وبسبب الاستراتيجيّات الأميركيّة الظالمة، القائمة على استضعافه وتقديمه على أساس أنّه من البلاد التي تكمن قوّتها في ضعفها».
ما الذي يربط كل الأحداث التي يشهدها لبنان؟ وما العوامل التي أسهمت في بناء المقاومة تصاعدياً، قبل أربعين عاماً حتى اليوم؟. أسئلة عديدة تشكل محور «أبجدية المقاومة» التي تركز بشكل خاصّ على «لبنانية» هذه المقاومة على حد تعبير كوثراني، خصوصاً أنّها بدأت مع أشخاص، من صلب المجتمع اللبناني المقهور والمعذَّب والمستضعف، وقد أسهم هؤلاء في إثمارها وتكوينها، بعد كل ما عايشوه نتيجة ممارسات العدو الإسرائيلي.
هذا على مستوى المضمون. أما على مستوى الشكل الفني، فيشمل «أبجديّة النصر»، فنوناً ووسائط متعددة. تبدأ من تركيب وتجهيز عدد من المشهديات المسرحية والاستعراضية، التي ترافقها مشاهد واقعية مصوّرة، ومحرّكة غرافيكيّاً، على وقع إسقاطات ومؤثّرات ضوئية، 3D Mapping، و Hologram، تُستخدم للمرة الأولى في هذا النوع من الأعمال، وموسيقى تصويريّة مناسبة للعمل، تحاكي خصوصية المقاومة النوستالجيّة. تربط كل هذه الوسائط الفنيّة، المحتوى، وتقدمه في قالب فني غير تقليدي.

سياق درامي يسرد نشأة حركة المقاومة وفق ممارسة فنية معاصرة

مراحل كثيرة طبعت توليفة العمل، بدءاً من السيناريو الذي تمت كتابته، مع فريق متخصص، ويستند إلى مصادر متنوعة من الأرشيف التلفزيوني والإذاعي لمحطة «المنار» وإذاعة «النور» و«الإعلام الحربي» و«الإعلام الإلكتروني» للمقاومة. أشرف علي ضاهر، على متابعة السيناريو والأحداث، لتصويب السياقات التاريخية، فيما تولت ريان خير الدين الإخراج المسرحي والمشهديات، وصمّم جاك برّو الصوت، ساعده في ذلك الأرشيف الغني الذي وُضِعَ بين يديه، لإعادة توليف أعمال موسيقية وأناشيد، طبعت عمل المقاومة، ومحطاتها التاريخية. وأشرف مصطفى مروة على وضع غرافيك الشاشة والهوية البصرية.
ربما، كان حريّاً بالقائمين على العمل الفني «أبجديّة النصر»، اختيار عنوان آخر، لا يندرج ضمن خانة «الكليشيهات»، خصوصاً أنه يتبنى تقديم سردية جديدة للمقاومة، وفق ممارسة فنية معاصرة، تدعو إلى الخروج عن الأنماط السائدة. لكنّ القائمين على العمل يؤكدون أنَّ العنوان يحاكي الهوية اللبنانية، التي تقوم على تاريخ الأبجدية: «نحاول أن نحكي أبجدية جديدة توصلنا إلى الانتصارات الحقيقية، لا تقديمها في سياقات استحضار التراث والتاريخ، بل للتأكيد على أن لبنان غني، ويتمتع بقدرات للدفاع عن نفسه»، يقول محمد كوثراني. ويضيف الأخير أنّ أثر هذا العمل الفني، من شأنه أن يكون واسع النطاق، لا يستهدف جمهور المقاومة فقط. فـ«المقاومة قصتها معروفة بالنسبة إلى الحزبيين، لذلك يتوجه العمل إلى كلّ المنفتحين على الحوار، بخاصة أنّه يمكن التقاط ماهية ومضمون «أبجديّة النصر»، نظراً إلى سهولة السيرة والتاريخ والسياق الدرامي المتصل به». ويشير كوثراني إلى أن التفاعل، في الدرجة الأولى، سيكون مع جمهور المقاومة، من ثم يأتي الفريق المحايد، الذي قد يراه تجربةً تحمل النقد وإعادة التساؤل. أما بالنسبة إلى الجمهور المعادي للمقاومة، فلن يكون معنياً بذلك، لأنّ قناعاته تحتّم عليه السير، ضمن سياقات حددها مسبقاً»، يؤكد كوثراني.
عمل متعدد الوسائط ذو هويّة بصريّة حروفيّة، تحاكي سردية «صناعة الأبجدية التي أُسِّس عليها لبنان»


يقتنع العاملون في «أبجدية النصر» بأنّ «الفن هو أبلغ وسائل التعبير». واكبت وحدة الأنشطة في «حزب الله»، و«الجمعية اللبنانية للفنون- رسالات» وقدّمت أنواعاً فنيةَ متعدّدة، ويعلم القائمون مدى تأثير الفنون على الجماهير، كونها تُخلد وتترك أثراً، وتتوجه إلى شريحة كبيرة، بعيداً عن الخطاب الكلاسيكي. لذلك، يعوّلون اليوم على تحقيق مرادهم من هذا العمل الفني، ليكون لغةً قابلة للحوار، مع أناس يختلفون عن بعضهم، لكن يمكن أن يولّد الفنّ حواراً بينهم. إن أخذ مسافة نقدية في عالمنا الثقافي، له جوانب إيجابية عدة. فـ «الجميل دائماً غريب»، يقول شارل بودلير، في سياق تعريفه «الجمال الفني»، فهل سيكون هذا العمل مغايراً يحقق مراده؟ يبدو أنّ فريق عمل «أبجديّة النصر»، الذي يتجاوز عدده 100 شخص، مستعدٌّ كامل الاستعداد لتقديم عمل فني معاصر.

* «أبجدية النصر»: س: 20:30 مساء 22 آب (أغسطس) ــــ باحة عاشوراء (الرويس، ضاحية بيروت الجنوبية)، يُبث مباشرة على التلفزيون.