إنه أحد أوائل مسلسلات الرسوم المحرّكة التي دخلت بها شركة «ديزني» الشرق الأوسط، مدبلجاً إلى اللغة العربية عبر أصواتٍ معروفة. مسلسل الأطفال المصنوع على طريقة الثمانينيات الشهيرة والمسماة اصطلاحاً بالرسومات ذات البعدين (2d ـــ رسوميات مرسومة وملونة باليد، بعيداً عن تدخّل الكمبيوتر)، أثّر على صنعة الرسوم المحرّكة لاحقاً، ودمغها بألوانه. أنتجت «ديزني» مسلسل «الكراغل» (gargoyles)، بالتعاون مع شركات «جايد للرسوم المحركة»، «تاما للإنتاج» و«نيلفانا للإنتاج»؛ وقد عرض بدءاً من عام 1994 وحتى 15 شباط (فبراير) 1997، وكتبته مجموعة من الكتّاب التلفزيونيين المعروفين أمثال ايريك لوك، وديان دوين، وليديا مرانو وسواهم. بعد إيقاف عرض المسلسل، أنتجت شركة «سلاف ليبور» كوميكس أكملت فيه القصّة من عام 2006 حتى عام 2009؛ فيما صنعت لعبة فيديو مقتبسة من المسلسل في عام 1995.

تدور القصةُ حول مجموعةٍ من الكائنات السحرية المسماة بـ «الكراغل» اصطلاحاً، وهم عبارة عن كائناتٍ شبه بشرية، تمتلك وعياً، لكنّ شكلها يشبه الوحوش، لديها علّةٌ واحدة أنها تتحوّل إلى صخورٍ في النهار. صحيح أنّ لديها أجنحة، وتبدو كما لو أنها تطير، بل «تنزلق» في الهواء.
طبعاً، ترتبط فكرة «الكراغل» أساساً ببعض التماثيل التي يمكن إيجادها فوق الأبنية القوطية والكنائس ودور العبادة التي تمثّل كائنات «متوحشة» تحرس المكان من «الأرواح الشريرة». قصة المسلسل الذي استمر على ثلاثة أجزاء تتحدّث عن مجموعة من الكراغل، تتعرّض للظلم، كما يرد في مقدمة المسلسل المدهشة والجميلة في آنٍ. تبدأ المقدمة برواية حكايتهم على طريقة الدراما اللاتينية الشهيرة: «منذ ألف سنة، كان الحكم للخرافة والسيف. كان عصر ظلمة، وعالم خوف، كان عصر الكراغل. صخور في النهار، وصقورٌ في الليل، خاننا البشر الذين أقسمنا على حمايتهم. أصبحنا سجناء الصخور بفعل لعنة سحريةٍ دامت ألف سنة. الآن نحنُ في مانهاتن، زالت اللعنة، وعدنا إلى الحياة. نحن حماة الليل، نحنُ الكراغل».
تدفع طيبة الكراغل للدفاع عن المدينة التي يقطنونها، أي مانهاتن، بوجه الأشرار داخل المدينة أو القادمين من خارجها، ما يعرضهم للكثير من المخاطر، والشرور، ليس أقلها العنصريّة والكراهية. شخصيات المسلسل هي: غولياث قائد «عشيرة مانهاتن»؛ صاحب الشكل المرعب الضخم، لكن المحبّ والطيب القلب، فضلاً عن أخلاقه الشبيهة بأخلاق الفرسان الحقيقيين. هدسون، القائد السابق للعشيرة، والأكبر سناً، الذي يشبه منطقاً وسلوكاً المقاتلين النورسيين والفايكينغ، خصوصاً أنه الوحيد الذي يحمل سيفاً، وهو حكيم ومخلصٌ للغاية. بروكلين، يشبه الديناصور الطائر «تيروصور» لناحية الشكل، وهو ذكي، ونائب غولياث، ويمتاز بشخصيته القوية والواثقة من نفسها. لكسنتون، الصغير الحجم، لكن الذكي، وبرودواي، الممتلئ الجسد، الذي يحب الأكل، ويمتاز بطبيته الشديدة وبساطته، وحيوانهم الشبيه بالكلب برونكس. هذه الشخصيات يضاف إليها المحققة البشرية إيليسا مازا، التي تبدأ علاقة حب تجمعها بغولياث على الرغم من الاختلاف الشديد بينهما. شرير المسلسل الأهم ودون منازعة هو حبيبة غولياث السابقة «ديمونا»، إحدى كائنات الكراغل الأنثويات، وأم ابنته «أنجيلا»، التي يلتقيها بعد سنوات ويكتشف خيانتها له وللعشيرة. تتعقّد القصة بعد الجزء الأوّل من المسلسل، وتمتلئ بالحبكات، إذ يكفي مثلاً أن نعرف بأنَّ ديمونا تستخدم فتيات القدر الثلاث من الأساطير اليونانية لتغيير الواقع، لنكتشف بأنها فعلت كل هذا لأنها «وحيدة» دون عشيرتها وأهلها. وربما كان هذا المشهد من أوائل المشاهد التي جعلت المتابعين يتعاطفون معها، بدلاً من كرهها على ما تفعله.
Gargoyles أحد أوائل المسلسلات التي دخلت بها شركة «ديزني» المنطقة


امتازت قصة «الكراغل» بعمقها الدرامي، وقد بدا أنها تتوجه أصلاً لجمهورٍ من الكبار لا الأطفال الذين اعتادت الرسوم المحركة التوجّه لهم. هذه اللغة الدرامية/ السينمائية الفنية العالية مهدت لاحقاً لمسلسلات رسوم متحركة تتوجه للكبار فقط مثل family Guy و south Park، و«عائلة سمبسون»، وArcher، bob burger’s.... صحيح أنَّ «الكراغل» لم يحتو على أي إشارات أو تلميحات جنسية، إلا أن لغة الخطاب، ومقاربته أموراً إشكالية مثل وجود الآلهة، والأساطير، والعلاقات البشرية والعنصرية، جعله متقدماً على سواه، ومخالفاً لمعتاد مسلسلات الرسوم المتحرّكة وبوابةً مهمةً لما بعده من هذا النوع. أمرٌ آخر تميّز به المسلسل هو نوعية الشخصيات التي وسمها أحد النقاد بأنها «شكسبيرية» الصنع، الحياة، والنهاية. هذا يعني أنَّ الشخصيات تعاند قدرها، لكن نهاياتها تكون دوماً مأساوية. هذا بالطبع يقودنا إلى فكرة أنَّ المسلسل يشبه إلى حدٍ بعيد فكرة «السينما نوار» (cinema noir). قارن العديد من النقاد بين المسلسل ومسلسلات ناجحة مثل «باتمان: المسلسل المحرّك» (Batman: The animated series)، و«رجال أكس».ليس «الكراغل» مسلسلاً عادياً، لقد كان أشبه بمسلسل ذي إيحاء شبابي، يقدّم لغة درامية مدهشة. لذا، يستحق إعادة المشاهدة، كما يستحق أن تصنع أجزاء جديدة منه، أو حتى أفلام مسلسلة.

* Gargoyles على «ديزني بلس»