في بعض الأفلام، موت شخصية مهمّة في نصف الفيلم، يأخذ الأخير إلى مكان آخر كلياً. لذلك، فموت سانتينو «سوني» كورليوني في فيلم «العرّاب» (1972) لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة السينمائية. جيمس كان (1940 – 2022) الذي رحل قبل أيام، سنتذكّره دوماً في شخصية «سوني» الذي اخترقته طلقات الرصاص أمام كشك رسوم المرور في لونغ آيلاند من قبل رجال بارزيني. فيلم فرانسيس فورد كوبولا، الذي جمع كان مع مارلون براندو وآل باتشينو، هو الذي دفعه إلى الشهرة العالمية. وقتها، أرادت شركة الإنتاج أن يلعب كان دور مايكل كورليوني، ولكن المخرج والممثل كانا يعلمان أنّ آل باتشينو مثالي للدور، وأنّ كان هو الذي يجب أن يلعب دور سوني العنيف وغير المتوقع. المشهد الذي ضرب فيه سوني زوج أخته مارلو ومشهد غرقه في دمائه عند موته وغيرهما، أوجدا له مكاناً في تاريخ السينما، ورشّحاه لأوسكار أفضل ممثل مساعد.

جيمس كان ممثلاً عند مفترق طرق هوليوود القديمة والجديدة. كان أحد هؤلاء الممثلين النادرين، عرفه وتذكّره كل جيل في فيلم مختلف. في كل عقد كان له دور جوهري لا يُنسى. ولد في برونكس في نيويورك لعائلة متواضعة، وسرعان ما بدأ العمل في هذا العالم المصغّر المتّحد بشكل ميؤوس منه. لعب كرة القدم الأميركية في الجامعة واكتشف التمثيل هناك. بعد أعمال على الشاشة الصغيرة، ظهر للمرة الأولى على الشاشة الكبيرة في فيلم «سيدة في قفص» (1964)، حيث لعب دور أحد السفّاحين الذين عذّبوا المرأة. وكان أول دور قيادي له في «خط أحمر 7000» (1965) لهاوورد هوكس. بعد مشاركته في فيلم «ال دورادو» (1966) لهاوورد هوكس أيضاً، حيث شارك الشاشة مع جون واين، طلبه كوبولا، الذي كان يعرفه خلال سنوات دراسته الجامعية للعب دور في فيلمه «شعب المطر» (1969). وبعد ثلاث سنوات، جاء دور «سوني» الذي سيظل مرتبطاً به إلى الأبد. شارك في الكثير من الأعمال بين عامَي 1970 و1980، وسافر أيضاً إلى فرنسا وظهر في السينما الفرنسية في فيلم «رجل آخر، فرصة أخرى» لكلود لولوش. وفي أوائل الثمانينيات، وقف للمرة الأولى خلف الكاميرا كمخرج في فيلم Hide In Plain Sight عن قصة أب يبحث عن ابنه المفقود. لم ينجح الفيلم، وكان لم يحب التجربة ولم يقف خلف الكاميرا مرة أخرى. تاريخ جيمس السينمائي مبهر، ولكن لا يمكننا أن ننسى شخصيته في فيلم «سارق» (1981) لمايكل مان. هذا هو الدور الذي سنتذكره به، إلى جانب دوره في «العرّاب». في فيلم «سارق»، رسّخ كان قيمته التمثيلية، وكان متفانياً في دور اللص المحترف الماهر، وكانت جاذبيّته على الشاشة أحد مفاتيح نجاح الفيلم.
أدى الاكتئاب ومشكلاته مع المخدرات بعد وفاة أخته إلى ابتعاده عن الأضواء. في الثمانينيات، لم يظهر على الشاشة وكان يخبر الجميع أنه يفضل تدريب فريق البيسبول الذي يلعب فيه ابنه سكوت. عاد بعدها بفيلم مع فرانسيس فورد كوبولا وأيضاً مع روب راينر. مع أكثر من 130 فيلماً، لم يتقاعد كان من التمثيل. وعلى الرغم من أنه في سنواته الأخيرة كرّس نفسه للأعمال المستقلة، إلا أنه كان حاضراً دائماً في هوليوود. الدراما، الكوميديا، التشويق، الحركة وأفلام الأطفال، لم يكن هناك شيء لا يستطيع القيام به. أحد أفضل الممثلين الأميركيّين على الإطلاق، استطاع أن يملأ الشاشة من دون مجهود، وتمكّن من إضفاء كاريزما خاصة على كل شخصية لعبها.