إنها رواية النظام، نعم. لكن هل تستحق المشاهدة؟ في جزئه الثالث، يأتي «الاختيار» (عنوانه الفرعي «القرار» ـــ إخراج بيتر ميمي، وكتابة هاني سرحان وإياد صالح) بمثابة وثائقي تأريخي بجرعة «درامية» عالية، خصوصاً مع نجوم مصريين معروفين أمثال أحمد السقا، كريم عبدالعزيز، أحمد عز، وبالتأكيد ياسر جلال. يطرح المسلسل رواية النظام المصري لما حدث في الفترة الممتدة بين حكم الرئيس المصري المقال/ المعزول الراحل محمد مرسي، والرئيس المصري الحالي، قائد الجيش المصري آنذاك، عبدالفتاح السيسي. هذه الرواية التي ربما يحتاج المشاهد العربي لسماعها لأنّها تأخذه بعيداً عن «معتاد» الرواية التي دأبت «الجزيرة» والقنوات الإعلامية المؤيدة لتنظيم الإخوان المسلمين تردادها، ما جعلها بمثابة «لازمة»: الإخوان المسلمون مظلومون، والجيش والسيسي «الظالمان» انقلبا على «الشرعية» (التي يمثلها مرسي). حكاية المسلسل تغوص في تفاصيل مرحلة زمنية «قلقة» من التاريخ المصري المعاصر بعد «ثورة 25 يناير». تدور الحكاية على خطّين متوازيين، وإن كان الخط التاريخي/ الوثائقي يكتسب أهمية أكبر من الخط الدرامي الذي قدّمه المسلسل في جزءيه السابقين. يبدأ العمل مع تعيين عبدالفتاح السيسي قائداً للجيش. واللافت أن الإخوان ورجلهم القوي خيرت الشاطر هم الذين «رشّحوا» السيسي لهذا المنصب؛ وإن ندموا على ذلك لاحقاً. الجانب الثاني ـــ وهو الأضعف كما أشرنا ــــ هو حكاية ضباط الأمن الثلاثة مروان العدوي (أحمد عز) وزكريا يونس (كريم عبدالعزيز) ومصطفى (أحمد السقا) الذين يحاربون الإرهاب المتمثل في الإخوان الذين حتى وهم في السلطة، بقوا على حالهم لناحية «الإخلال بالأمن». يستمر المسلسل بحكاية العلاقة الملتبسة بين مرسي والسيسي، مع تظهير كيف وصل الأمر إلى عزل مرسي ووصول السيسي إلى سدّة الحكم.
أكثر ما يلفت في المسلسل حرفة اختيار المؤدين للشخصيات (casting). يبدع ياسر جلال، بدايةً، بدور السيسي، وخالد الصاوي في دور خيرت الشاطر، وعبدالعزيز مخيون بدور مرشد الإخوان محمد بديع، وصبري فوّاز بدور محمد مرسي، وأحمد بدير بدور المشير طنطاوي. هذا الكاستينغ الجميل منح ميزةً للمسلسل عن سواه من المسلسلات. ارتدى خالد الصاوي خيرت الشاطر إلى درجة أنه إذا ما عاد المشاهد إلى شكل الشاطر وهيئته عبر مشاهدة أي فيديوهات له، لظنّ بأنهما ظلان. الأمر عينه ينسحب على أسماء لم تكن معروفة سابقاً مثل صبري فواز الذي أبدع بدور محمد مرسي، وإن اختلف عنه بالحجم قليلاً. لكن مهارته جعلت التوليفة حقيقية للغاية. نأتي للنقطة الأهم: ياسر جلال وكيفية ارتدائه شخصية السيسي: رغم الهجوم الهائل الذي شن على الشخصية والممثل والسيسي منذ بداية العمل، إلا أن الممثل المصري استطاع أن يكون السيسي في معظم لحظات ظهوره على الشاشة: يتحدّث مثله، يتحرّك مثله رغم الفارق في الأحجام بينهما، وفوق كل هذا جلس لساعات تحت أيدي «ماكيير» محترف هو أحمد مصطفى ليخرجه نسخةً تلفزيونية حقيقية وواقعية عن السيسي.
الخط التاريخي/ الوثائقي يكتسب أهمية أكبر من الخط الدرامي الذي قدّمه العمل في جزءيه السابقين


على الضفة المقابلة، يمكن اعتبار المسلسل مشكلة حقيقية للثلاثي السقا، عبدالعزيز وعز. وجودهم لا يقدّم ولا يؤخر إلا كأسماء كبيرة في عملٍ يرتكز إلى بطلٍ رئيسي أوحد هو ياسر جلال بدور السيسي، لأسباب كثيرة: أولها أنَّ حضور الحدث التاريخي وميل الجمهور لمعرفة الكواليس السياسية الخفية التي سيرويها المسلسل، جعلا أي حدث آخر يخفت ويقل تأثيره. الثاني أنَّ المغامرات والأكشن وحروب المخابرات والإرهاب استُهلكت في الجزءين السابقين (وهي تتواجد هذا العام في مسلسل «العائدون» مع أمير كرارة بطل الجزء الأوّل من «الاختيار»). الثالث أنَّ طبيعة الشخصيات المقدّمة الثلاثة مسطّحة لا تمتلك أي بعد درامي أو عمق، كما لو أنّها كتبت على عجل مع الكثير من التضخيم والتنعيم. كتب أحد النقّاد المصريين عن الشخصيات الثلاث بأنها «فاضلها 3 فولت وتنوّر من شدة نورها وتقواها وإيمانها»، عاكسةً طريقة غير دقيقة وغير حقيقية في تقديم الأمن المصري. رغم أسماء ونجومية عز والسقا وعبدالعزيز، إلا أنّ هذه النقاط الثلاث جعلت المسلسل أشبه بدعسة ناقصة لهم. ألم يكن من الأفضل منح ثلاثة نجوم شبان فرصة تأدية هذه الشخصيات بدلاً من هذه الأسماء الكبيرة التي استهلكها الدور ولم يكن جديراً بها؟ نجوم العمل الفعليون هم ياسر جلال، خالد الصاوي، وصبري فوّاز مع غياب كلّي لأي عنصر نسائي حقيقي، ما يمكن اعتباره خطأً كبيراً.
بذلَ النظام المصري الكثير لتقديم «الاختيار: القرار». على هذه الشاكلة، وربما يمكن القول بأنه نجح في تقديم رؤيته الخاصة لما حدث في تلك الحقبة الزمنية. تختلف معه أو تؤيده، لا مشكلة، لكن يجب دوماً تذكّر أن الإعلام يقول رأي الجهة التي يمثّلها، وليس هناك من إعلام موضوعي مئة في المئة.

* «الاختيار: القرار»: «أي. آر. تي. حكايات» (23:30)، «المحور» (23:30)، «روتانا خليجية» (23:00)، «أون إي» (22:00)