يواصل «نادي لكلّ الناس» نشاطه السينمائي. ففي محترف الفنان ناصر عجمي (شارع العكاوي) في أحياء الأشرفية القديمة والمتهالكة، أُقيم عرض حميمي لوثائقي قصير بعنوان «غير مدعوم» (إخراج: بريتي نالو، ومونتاج: رانيا عيتاني ـ إنتاج 2021 ــــــ 27د) مدشّناً استئناف المحترف نشاطه بعد توقّفه على إثر انفجار مرفأ بيروت. بالتالي، كانت تجربة حضور الفيلم تحمل طقسية جميلة وسط لوحات تشكيلية، وحميمة المكان وقلة الحضور، خصوصاً أنّ هذا العرض كان النشاط الثقافي العام الأول للمحترف بعد الترميم.أما «غير مدعوم» (إخراج: بريتي نالو، ومونتاج: رانيا عيتاني ـ إنتاج 2021 ــــــ 27د)، فيناقش الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ 2019 وتجليّاتها في 2021.
«عندما تكون مواطناً في بلد من بلاد العالم الثالث، تكون خياراتك محدودة جداً، وإن كنت تستحقها».
يعرض الفيلم أربعة قصص لأناس موزّعين في مناطق عدة في لبنان: بدايةً مع جميلة ووسيم، زوجين متقاعدين من وادي البقاع، يعيشان من إيجار الطابق السفلي من منزلهما... لننتقل إلى أم خالد، امرأة من مجتمع بدوي في وادي البقاع، تعيش من خلال بيع الخُضر في بيروت. وهناك إيلات، رسامة وصانعة أفلام من بيروت تعيش ما بين عملها في الرسم والعمل في قطاع الأفلام والمسرح. وننتهي مع فاطمة، سيدة سورية تعيش في مخيم برج البراجنة بالقرب من بيروت وتدير مشروعاً حراً للخياطة والتطريز.
يقدّم الفيلم الحكايات الأربع بالتوازي، لنكون أمام صورة شاملة ومشتركة لما يعيشه الإنسان في لبنان مهما اختلفت هويّته الوطنية وطبقته الاجتماعية. يدخل في تفاصيل الأزمة في حيوات هؤلاء الأشخاص، من الغلاء التي تشهده البلاد، خصوصاً على صعيد الإيجارات. كما يعرض الغياب الكامل للضمان الصحي الذي يجب أن يكون حقاً من حقوق المواطن اليوم، وخصوصاً للمسنين والمتقاعدين. يسلّط الضوء على حياة اللاجئين المحكومة بالحبس داخل المخيم مع انعدام أي أفق لمستقبل أفضل. ويُضيف إلى هذا النسيج الاجتماعي عرضاً لحياة الفنانين المستقلين الذين يحاولون النجاة يومياً في هذه البلاد. يقدم الفيلم صورة واسعة تجمع في تفاصيلها ملامح مشتركة لغياب حقوق الإنسان وأزمته المشتركة في هذه البقعة الجغرافية.
يركز على نماذج نسائية أثبتت نفسها في بيئة اقتصادية ومجتمعية صعبة، قادرة على إدارة مشاريع تمكنها من النجاة والعيش بشكل مستقل بعيداً عن السلطة الذكورية. كما يركز على معاناة المسنين بشكل عام والمسنين المزارعين بشكل خاص، حيث لا رعاية ولا دعم موجه للقطاع الزراعي، وهذا ما خلق خصوصية النماذج المختارة عرضها في الفيلم. إذ ركّز على نماذج مهمّشة وربطها بصورة مجتمعية واحدة، لا يمكن أن يغيب عنها أي نموذج حياتي: سواءً من المسنين أو النساء أو الفنانين أو حتى اللاجئين.
طرح الفيلم لهذه النماذج التي تحاول العيش والنجاة مع غياب كامل للكيان الحكومي، يطرح تساؤلاً مهماً عن مفهوم الوطن واختلافه عن مفهوم الدولة التي تحاول أن تربط الوطن والمكان بها، فتجعل بؤسها وفشلها بؤس وفشل الوطن ككل. لكن في نهاية الفيلم، يرفض جميلة ووسيم رفضاً قاطعاً الخروج من منزلهما بهدف البحث عن حياة أفضل. كما نرى رغبة الشابة إيلات في البقاء في البلاد والعمل داخلها رغم كلّ الصعوبات التي تشهدها، فرغبة البقاء عند جيلين مختلفين تُظهر لنا الوعي وأهمية الفصل ما بين الوطن كمكان يجمعنا وما بين الدولة والجهاز الحكومي الذي يُعاني فشلاً هو السبب المباشر للأزمة التي يعيشها الإنسان في البلاد اليوم.
State of Absence لبريتي نالو ــــ رابط المشاهدة على موقعنا