قد تكونُ الصّفة الأبرز التي تغلّف معرض Ludique لآني كوركدجيان هي المُشاكسة. ذلك ما يشي به العنوان أوّلاً. المعرض الّذي تستضيفه The LT Gallery في مار مخايل يقدِّم للمتفرّج ثلاثين لوحة متنوّعة ومشغولة في الفترة الأخيرة. لا تزال كوركدجيان تعمل على لوحة ذات مناخ واحد. بالتّالي، فإنَّ نسْبَ صفة المشاكسة إلى اللوحات، أو إلى بعضها لو صحّ التعبير، لا يأتي من ناحية فارغة. إنّما هو وليدُ انطباع تحفرهُ فيكَ اللّوحة، إنْ من حيث ثيمتها الخارجة على المألوف والمتنطّحة في كلّ آن لكسر التابوه وشتّى أنواع الموروثات، أو لجهة قدرتها على المباغتة رغم مسيرِها في نسق واحد ومتشابه.
من المعرض (أكريليك على كانفاس ــــ 100.5 × 150 سنتم ـــــ 2021)

يمكنُ الحديث عن ثيمة عموميّة لأعمال كوركدجيان، تتوزّع على القلق والوجع والمشاكسة والرغبة الدائمة في إظهار ما هو مخبوء ومستور. ما نجهَدُ في إخفائه كبشر عاديّين، تظهرهُ كائنات اللّوحة من دون حجاب. تتنوّع الأعمال بين الأكريليك والورق والكانفاس. ويمكنُ تقسيمها إلى انطباعات وزوايا عدة. الانطباع الأوّل هو قدرة هذه الشخوص على أن تكون مطّاطة. تزحفُ وتزحلُ كأنّها كائنات لافقريّة. تأخذ ببراعة شكل المكان الواقعة عليه. يمكن أن نضيف أيضاً تلك الرغبة الفاضحة لدى شخوصها لنقل مكنوناتها الشعورية إلى المتلقّي. المشاعر المتناقضة والمتآلفة التي تسبح بين الحزن والاستلاب والسّخرية، إلى درجة أنّ المتفرّج يشعر كأنّه أمام شخصيّات فردوسيّة مفصومة.
اللوحات مقسّمة، ولو بشكل عفوي، إلى مشاهد عديدة. يأتي أولها اللوحات المشغولة بالأسود والأبيض. يمكن أن نبدأ بلوحة المرأة الواقعة فريسة لقطّ، تنزل إليه عاريةً برأس محنيّ وتتغلغل في سردابه العميق. إلى جانبها، تمشي لوحات الحِداد والحزن، نستشفُّ ذلك مِن امرأةٍ ترتدي ثوبها الأسود برؤوس أصابعها الغريبة الشكل، وبشعر عانتها المفضوح والمعروض أمام العيان. نجدُ في لوحة أخرى امرأة أكلها السواد، لدرجة أنّ أحمرَ شفتيها صارَ أسود وعينيها امتصّهما السّواد عينه وتلعقُ بطرف لسانها دموعاً هاطلة.
أيضاً يتراءى للمتلقّي عدد من اللوحات تقوم على فكرة اللذة الجسدية. الأيادي المطروحة أمامنا تمسكُ بالعضو الذكري وتداعبه لتنصهر معه وتأخذ بعدَهُ وحجمه. التدقيق في لوحات الأعضاء التناسليّة يكشف لنا أنّ أصابع كائنات اللوحة متراصفة ومتساوية طولياً حتى إنها تظهر أفقية وبلا عظام. لوحة الخفّاش أيضاً المعلّق على حبل غسيل. لوحة الجُماع في زاوية، ولوحات أخرى عديدة. تتنوّع الوجوه في لوحة كوركدجيان، بين حزينة وبائسة وأخرى مسمومة ناقمة. وجوه تعجنُها آني بما تملك من سير شخصيّة ويوميات ليست مقصودة لتكون على هذه الشّاكلة. تلتقطُ موضوعاتها من لحظات سفليّة لانهيارات الكائن البشري.
تلوينات مزروعة في براويز، مستوحاة من طفولة دمويّة وأليمة جرّاء الحرب الأهليّة


الدقّة الموصوفة المعروضة أمامنا في هذه الأعمال تجعلنا نُعاين عن كثب، قدرة هذه اللوحات على المراوغة واللّعب وأيضاً على إضاءة التفاصيل الجانبيّة الصغيرة. إذاً نحن أمام تلوينات مزروعة في براويز، مستوحاة من طفولة دمويّة وأليمة لكوركدجيان جرّاء الحرب الأهليّة، وتتحدث داخل شخوصها في مونولوغات مسموعة.
في معرض آني كوركدجيان لسنا أمام لوحة عاديّة، إنّما لوحة تتعاطى مع الوقت وتأخذ منه مرجعيّتها. تملك هذه اللوحة ببراعة وقتها الداخلي والخارجي. تلك الأعمال التي نتبعها بلا توتر وبترقّب كامل، لا تُحيلُنا إلى مرجعيّة إنّما إلى إعادة نظر في عامل الوقت وضرورة الوقوف على أطلاله.

* Ludique: حتى 31 آذار (مارس) ــــ The LT Gallery (مار مخايل ـ بيروت) ـ للاستعلام: 71/781113