«إنّها مجرّد قصيدة» عنوان معرض شوقي يوسف (1973) التشكيليّ المبنيّ على قصائد الشاعر جوزيف عيساوي في غاليري Mission d’art ويضمّ 11 عملاً. قصيدة ولوحة في تمازج وتكامل، والقصيدة منبع إلهام شوقي يوسف الذي لا يرى الجسد إلا مفكّكاً فيعيد تركيبه باللون والتكوين. شخوص هزيلة، داكنة، باحثة عن واقع الجسد والرغبة، هاجسة بالموت والاكتشاف. منابع التأثّر تأتي من الرسام تولوز لوتريك وإيغون شيلي اللذين اشتغلا على التيمات الجنسية زخرفياً. تشوّهات، استطالات، تحلّ مكان الجماليات التقليدية. أسلوب غير تقليديّ، وخطوط كأنّها تفجّر غضباً وحزناً وتعزّز تأثير الخطّ عاطفياً.
من المعرض

يبدو شوقي يوسف ناقشاً الورق مغمض العينين، ثم يكشف الحبر عن المنحنيات والحركة، والتركيز أساساً على الشكل الإنسانيّ والمعالجات الجسدية التي تفصح عن حسّية بيّنة. قصيدة عيساوي تتجسد أشكالاً و«وضعيّات». اللون وتدرجاته بأهميّة الخطّ وتعرّجاته. تحضر كلمات من قصائد عيساوي في اللوحة، بل تمتدّ إلى مقاطع كاملة تُقرأ بوضوح لتغدو جزءاً متمّماً للحالة التعبيرية في هذه اللوحات ذات المقاسات الكبيرة والخامات المتنوّعة من أكريليك مخفّف إلى حبر وبودرة حديد وفحم قاسٍ. بدايات هذا المشروع الفني تعود إلى 12 عاماً، وعلى مراحل متقطّعة، كانت تنتظر أن تُرفع عنها نظرة «التضييق» على أنّها عنيفة و«غير ضروريّة».
يقول شوقي يوسف عن أعماله: «اللوحات جميعها كُتبت أوّلاً. يمكن قراءة عملي بمثابة ذكريات. ما أرويه هو قصة محيطي، والورقة أو اللوحة التي أكتب عليها مكوّنة من تلك الأشياء التصويرية». يبعثر فوق مساحاته البيضاء أجساداً متلوّية، تئنّ ألماً، تحيا صراعاً يكابده اللبنانيون المنصرفون إلى يومياتهم على نحو عادي في الظاهر فيما هم متألّمون من الداخل، تماماً كأجساد شوقي يوسف التي تتصارع في زاوية من زوايا لوحاته، لا تعرف سكينةً وفي الآن عينه هي متمرّدة ترفض الامتثال، إذ لو فعلت لاضمحلّت وتلاشت. التمرّد هو السبيل الوحيد للبقاء.
أسلوب غير تقليدي، وخطوط كأنّها تتفجّر غضباً وحزناً وتعزّز تأثير الخطّ عاطفياً


الجسد محور المعرض، ومن خلاله تعبر المراحل الزمنية والحالات العصيّة. أجساد تتفكّك وتتحلّل، تتلّوى وتتمدّد، تتمسّك بالفراغ، وذات لحظة تلتهم النار تلك الأجساد. الأحمر القاني يطغى، والأسود كأنّه خيط يربط حالات التشظّي. لكل لوحة موضوعها المستقلّ، وتختلف لدى إقحام الشعر فيها فتزداد ثراءً وتنفتح على المُدهش.
علاقة الرسم بالشعر قديمة، لكنها تتجسّد هنا بالعنف المختزل بالجسد، وبالألم والتفكّك والانطواء، قبل أن يظهر التمرّد كردّ فعل على واقع إنساني تراجيدي، للفرد والجماعة، تُنتجه الحروب وقسوتها ومظالمها وعنفها المدمّر. إنّها لعبة الموت والحياة في ما نختبره أو نشهده، من قريب أو من بعيد، داخل الذات وخارجها.

* إنّها مجرّد قصيدة»: حتى نهاية آذار (مارس) ــــ غاليري Mission d’art (مار مخايل) ـــ للاستعلام: 03/833899