مسكونة ريتا حايك بحبّ التمثيل، لكنّ موهبتها تتجلّى أكثر على الخشبة التي شهدت آخر مشاركاتها في مسرحية «فينوس» (2015 ــ إخراج جاك مارون) التي قدّمتها مجدداً في باريس منذ فترة، فيما عادت إلى الشاشة الصغيرة في مسلسلات عدة. كيف ترى عودتها؟ وماذا عن رأيها بالمنصات كبديل للشاشات؟ وكيف تتعامل مع الوضع العام في لبنان؟ ترى حايك أنّ كلّ ما قدمته للشاشة الصغيرة كان Soap Opera بينما مسلسل «بارانويا» (منصّة «شاهد») الذي جسّدت فيه دور «ميلا» كان سينمائي التصوير: «كان أشبه بفشّة خلق لي، كي يتابعني مَن لم يتابعني في المسرح ليراني على الشاشة بهذا الدور المختلف». وعن إيجابيات وسلبيات العمل لمنصّة، ترى حايك أنّ «هناك حرية في التصوير والكتابة والإخراج والعمل ككلّ على المنصّات، وهذه الحرية لا نلمسها في المسلسلات المحلية. هناك إيقاع معيّن يحكم المسلسلات الـSoap Opera وهو إيقاع بطيء وطويل. المنصات تكسر هذا الإيقاع الكلاسيكي للمسلسلات. هناك سلبية واحدة تتمثّل في أنّ الأعمال التي تُعرض على المنصّات، لا تصل إلى شريحة واسعة من الجمهور المحلي كما حال الأعمال التي تُعرض على التلفزيون. في المقابل، هناك انتشار عربي لأعمال المنصّات. تمّت متابعة «بارانويا» بشكل كبير عربياً، وفي المستقبل سيعتاد الناس على المنصّات كما اعتادوا على نتفليكس، فهي مستقبل كلّ المسلسلات».
نالت جوائز عدّة عن دورها في فيلم «الميراث» (إخراج ماثيو هاغ)

مع ذلك، لا شيء يعوّض شغف حايك بأبي الفنون: «بما أنّ الحركة المسرحية عادت إلى حد ما، وها أنا عدت لأتابع المسرحيات في البلد، أشعر بالغيرة الإيجابية. أريد أن أقدّم عملاً مسرحياً، لا أعرف متى، لكن لا شيء يعوّض شعور الوقوف على خشبة المسرح».
وعن الأعمال التي تشعرها بالغيرة الإيجابية، تعلّق: «تابعت أخيراً «أصحاب ولا أعزّ» (نتفليكس) وأحببت العمل في الفيلم. ما قدّمته منى زكي رائع والجميع ممتازون، شعرت بغيرة إيجابية، وأسعد أن أكون موجودة في عمل مماثل». إلى جانب مشاركاتها في المسلسلات، أدّت حايك دوراً في فيلم قصير بعنوان «الميراث» (بمشاركة كميل سلامة ـ 2021) للمخرج الفرنسي ماثيو هاغ، ونالت عنه جائزة أفضل ممثلة. يروي الشريط قصة زينة الحامل التي تدخل منزل والدها كميل سلامة في منطقة الكرنتينا للمرة الأولى لتعلمه أنّها قررت الهجرة النهائية. تروح تتنقّل معه في أرجاء البيت حيث يشرح لها الوالد ما يقوم بترميمه في المنزل الكبير الموروث عن الأجداد. طبعاً، يطلّ المنزل على مرفأ بيروت الذي انفجر وحصد خراباً وأرواحاً. تقول لنا: «يحكي الفيلم عن وجعنا نحن كلبنانيين، ولأنّني حزت جوائز عن دوري في هذا العمل بالتحديد، سعدت جداً أكثر من نيلي جائزة عن فيلم تجاري أو ترفيهي». وضمن مشاريعها السينمائية أيضاً، شاركت في فيلم إيطالي بعنوان La Regola d›Oro (2020) للمخرج أليساندرو لونارديللي تدور قصّته حول الحرب السورية و«داعش». لكنّ حايك ترى أنّ هذا الفيلم تحديداً كان «منحوساً، لأنه عرض في «مهرجان Taormina السينمائي» بحضور جمهور قليل بسبب كورونا، ولم أستطع السفر في ذلك الوقت، ولم يُعرض في الصالات الإيطالية، ولا أعلم ما إذا كان سيُعرض أونلاين. أشعر أنّه ظُلم، إذ صدر في فترة الجائحة وحزنت جداً. وعليّ التواصل مع القائمين على الفيلم لأعرف ما إذا كان سيُعرض في لبنان أو لا، لأنّني أريد أن يُعرض في لبنان».
أمام أزمات الوباء والكوارث الاقتصادية والمالية والمعيشية في لبنان، ترى حايك أنّ للوضع العام تأثيراً سلبياً جداً على الجميع: «بتنا أمام خيارَين إمّا أن نعزل أنفسنا أو أن ننهار ونأخذ أدوية أعصاب. نحن من سكان منطقة الحمرا طيلة حياتنا وصرنا اليوم نعيش في الجبل. لقد قررنا عزل أنفسنا. لا نتابع نشرات الأخبار ونحاول عدم التحدّث في المواضيع المؤذية. الإنكار هو سبب الاستمرارية لي ولزوجي الذي قرّر البقاء في لبنان وكذلك أنا. «شغلي ماشي» ولا أستطيع أن أشكو في هذا المجال، وعمل زوجي مستمر (طبيب) طبعاً بشكل أصعب بكثير من ذي قبل. ونريد أن يكبر جورج ويتعلّم في لبنان في المدرسة نفسها التي تعلّم فيها والده. وحتى الآن، نفسنا طويل ولا نستعجل اتخاذ القرارات لأننا قادران على البقاء، وأريد البقاء قدر المستطاع. لا أحكم على أحد قرّر الرحيل، فكلّ إنسان له ظروفه وأسبابه». الأمومة غيّرت حايك بشكل كبير. تقول: «بتّ أنضج في الحياة بشكل عام وحكماً في التمثيل».
تعوّل على مشاركتها في فيلم يوناني جديد صُوِّر في قبرص


تنشغل حايك حالياً بقراءة عدد من الأعمال، لكنّها لم ترسُ على قرار بعد: «لا شيء واضحٌ. وحين لا أعمل، أعود إلى ممارسة الرياضة وألعب كرة المضرب كما أنّني أنهي دراسة فصل من اللغة الإسبانية». على سيرة الإسبانية، تصف حايك لغة ثيرفانتس بأنّها «لغة روحها»، مضيفة: «لم أختر أن أكون لبنانية وأن تكون لغتي هي العربية، طبعاً أنا فخورة بهذا، ولكن لو قُدّر لي أن أختار لغة وبلداً، لاخترت إسبانيا ولغتها».
في الختام نسألها عن الفشل وكيفية تعاملها معه، تجيبنا: «لا فشل في الحياة بل «دعسة ناقصة» وتكملين الطريق، وهذه قصة حياتي. إذا سلّطنا الضوء على نجاحاتي، نجد أنّني قدّمت الكثير من المسلسلات وبالطبع ليست كلّها ناجحة. بعضها نجح ويُعاد عبر الشاشات المحلية مثل «ثواني»، و«وين كنتي»، ودور ميلا الذي قدّمته في مسلسل «بارانويا». وعلى المسرح، كانت «فينوس» انعطافة في حياتي، إلى جانب فيلم «قضية رقم 23» (إخراج زياد دويري). قريباً، هناك فيلم يوناني صوّرته في قبرص مع ستيفاني عطالله، وكنا الممثلتين الوحيدتين من العالم العربي، وأضع آمالاً كبيرة عليه».