يتضافر كتاب «صرخة الغضب: دراسة بلاغية في خطابات الانتفاضة اللبنانية» (2022 ــ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، مع رافدين سابقين للباحث والأكاديمي اللبناني نادر سراج «مصر الثورة وشعارات شبابها» (2014) و«الخطاب الاحتجاجي» (2017)، لفتح كوى معرفية في خطاب الشعارات العربية، ربيعها وخريفها. جديده أنه يتبصّر في تحولات خطاب الهامش، ويُعيد الاعتبار إليه في المشهد الثقافي العربي، بعدما عُدَّ خطاباً ثانوياً ورديفاً، وغير مألوف.

في تقديمه للكتاب، أشار الباحث رمزي بعلبكي إلى أنّ «الكتاب الذي بين أيدينا فريد حقاً في تقصّيه مفردات الغضب وعبارات الاعتراض التي أنتجها الأفراد وتداولوها في الساحات وكتبوها بعفويّة على جدران المدن والبلدات وعلى الشابكة». ولاحظ أن سراج نَفَذ «من هذه المادّة «الخام» إلى استقراء الأمزجة وكشف الخطاب المسكوت عنه، وارتقى بدراسة الكلام المحكيّ إلى مستوى أكاديمي رفيع، متابعاً بدأب وأناة مشروعَه المعرفي المتّصل بتحليل الخطاب الحيّ في العالم العربي. ومن نتائج هذا المشروع إظهاره أنّ جمهور الساحات أفلح في تأصيل بلاغة جديدة تتجاوز الجمود والتحجّر وتتبنّى طموحات تغييريّة وطليعيّة». ولاحظ أن نهج سراج تميّز في هذا الكتاب «وفي الكتابين كليهما بأمرين: الجرأة على طرح قضايا حياتيّة غير مطروقة، يتداخل في تحليلها علم الاجتماع واللسانيّات التطبيقيّة والبلاغة، والقدرة الفائقة على الاجتهاد والابتكار وتفسير الظواهر اللغويّة بأبعادها المختلفة».
ويُشير المؤلف نادر سراج إلى أنّه «كدأبي أثبتُّ في كتابي السادس عشر أنّ «البلاغة بلاغات»، فتجلياتُ الفصيح والمحكي والمعيش التي ترددت في ساحات بيروت والمناطق 2019 حرّكت «الشارع»، وشحت الخطاب الاعتراضي بلبوس لساني بلاغي، وأظهرت وثوق المتلقّي بالسياق، وعزّزت حضور مستويات التداول عنده. ولعل الشواهد المستقرأة تلمّح إلى أن «الهامش» كضربٍ من الخطاب وكوسيط متحرّك، يمكنه أن يتحرك من مكان إلى مكان ومن جمهور إلى جمهور، ولا يقلّ حضوراً وقيمةً تعبيرية عن الخطاب المركزي، بل يمثّل رديفاً مهمّاً للخطاب الاجتماعي والثقافي السائد».
في تقصّيه المنهجي والعملي لمفهوم «خطاب الهامش» وآليات اشتغاليّته، يتنزّل «صرخة الغضب» (434 صفحة)، في ميداني تحليل خطاب الشعارات وتأصيل بلاغة جديدة. ويُشير المؤلّف إلى أنّ «المضامين (هتافات المحتجّين وشعارات الساحات وصنوها من الكتابات الجدارية)، أظهرت أنّ الهامش أضحى اليوم متناً بقدر ما أمسى الجدار نصاً، لما تنطوي عليه الساحات العربية من فيض بلاغي مبتكر ومستظرف وسَمَ درر البلاغة الشعبية من الكلام الاعتراضي. ثمّة أهمية معقودة على هذا الخطاب لاستئناسه المَراح الحيوي للأفراد والجماعات، وما تثويه من معانٍ وإشارات ودلالات. وما برح الدارسون يفكّكون شيفراته، ويحلّلون مضامينه (نصوص احتجاجية ومبصرات وهتافات وأغان وأهازيج وفكاهة وأمثال ﺷﻌﺑﯾّﺔ)». وقد سلّط المؤلِّف «أضواء كاشفة على هذا الفرع المعرفي المستحدث. كما التفت إلى المكبوتات النفسية وصيغ البذاءة السوقية التي توظّف أداة للاعتراض ولمقاومة الأنظمة الفاسدة».