مرّة جديدة يُخضِع اللوبي الصهيوني الجامعات البريطانية. آخر فصول ضغوطه دفعت بـ «جامعة شيفيلد هالام» (SUH)، إلى تجميدِ عمل الفلسطينيّة شهد أبو سلامة، كمُحاضِرَة مُشارِكَة، بعد حملةِ تشهيرٍ صهيونية طالتها اعتراضاً على تعيينها في الجامعة. القضية التي تفاعل معها الإعلام والرأي العام العربي والأجنبي، لم تُقفَل ـــ كما خطّطت الجامعة ـــ بطلبها من شهد العودة إلى التدريس، إذ إنّ الناشطة والأكاديمية الفلسطينيّة طالبت بالاعتذار العلني وإيقاف التحقيقات كشرطين لاستئناف عملها. في حديث مع «الأخبار»، تروي الباحثة الفلسطينيّة تفاصيل المعركة المستمرة مع «شيفيلد». في 17 كانون الثاني (يناير)، ألقت محاضرتها الأولى حول «ثقافة الإعلام ما بعد الاستعمار». بعد ثلاثة أيامٍ، تلقّت رسالةً بريديّة من إدارة الجامعة تُعلِمُها فيها بإلغاء المحاضرة المقرّرة في اليوم التالي (21 كانون الثاني)، وتعليق أعمالها إلى أجلٍ غير مسمى، وإخضاعها للتحقيق على خلفية «شكاوى خارجية»، من دون أيّ توضيحٍ آخر. ومن الإعلام الصهيوني نفسه أدركت أبو سلامة في ما بعد أنّ مواقفها من القضية الفلسطينيّة، ونشاطها في الدعوة إلى إعادة تعريف معاداة السامية عالمياً، كلّفاها تجميد عملها.
تعزو ملاحقة اللوبي الصهيوني إلى غضبه نجاحات الحركة العالمية المناصرة لفلسطين

التحريض الإعلامي المتجدّد على أبو سلامة، ازداد منذ أن قدّمت أطروحة دكتوراه حول «التمثيل التاريخي للفلسطينيّين في الأفلام الوثائقية والاستعمارية والإنسانية والفلسطينية من وعد بلفور عام 1917 إلى اتفاقية أوسلو 1993»، في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2020. إذ بدأ استخراج تغريداتها العائدة إلى عام 2012، حيث «فضح لجرائم الاحتلال، وتعبير عن آلام أهل غزّة التي عايشتها، يوم كنت وعائلتي تحت القصف والحصار» على حدّ تعبيرها. على إثر ذلك، شنّت صحيفة The Jewish Chronicle حملتها، قبل أن تعود وتمنح شهد 24 ساعة للرّد على اتهاماتها. تجاهلت أبو سلامة الأمر لرفضها التعامل مع الصحافة الإسرائيلية.
تُخرِجُ الباحثة الحملة من إطار الهجوم الشخصي، لتقرأها في «سياق نمطٍ تاريخي يحاول تقويض جميع القضايا التي نمثّلها، في ظل سيطرة الرواية الصهيونية الاستعمارية، الحاظية بامتياز على روايات المظلومين». تصرّ أبو سلامة على ضرورة تعريف «معاداة السامية» من جديد، حتّى لا يتم استخدام العبارة ضد من يتضامنون مع القضية الفلسطينية حول العالم. تعود بالذاكرة إلى يوم خرجت من غزّة عام 2013، «حاربتُ من أجل حقي في التعليم». وحينها كان القرار «استثمار سنوات الدراسة الجامعية في كفاح الأسرى الفلسطينيين، وفضح الجرائم الإسرائيلية المستمرة وسط غياب المحاسبة الدولية». ملاحقة اللوبي الصهيوني لها وعرقلة نجاحها، تردّهما إلى غضبه من نجاحات الحركة العالمية لمناصرة القضية الفلسطينية، التي تعد أبو سلامة جزءاً منها. فهي أحد أعضاء حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل «BDS»، وجزء من حملة شنّتها وآخرين ضد واحدة من أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية «إيلبت سيستمز»، نتج عنها إغلاق فرعها في أولدهام في بريطانيا بداية العام الحالي. تعرّضت أبو سلامة لتشهير مماثلة على إثر مشاركتها كوجهٍ بارز في حملة لمنع تنظيم مسابقة «يوروفيجن» في «إسرائيل».
شهد الفنّانة أيضاً، تحكي كيف ولدت في عام 1987 في أجواء الانتفاضة الأولى في مخيّم جباليا، وعاشت الانتفاضة الثانية بين الأعوام 2000 و2004 بكل تفاصيلها. حظيت قضيتها باهتمام إعلامي بشقّيه التقليدي والجديد، كما حرّكت مجموعة من الأكاديميين والناشطين المناهضين للعنصرية، ومنهم أندرو فينشتاين، نجل أحد الناجين من المحرقة والعضو السابق في البرلمان في عهد نيلسون مانديلا، وقد استنكر في خطاب دعمٍ وجّهه إلى إدارة جامعة «شيفيلد» اتهام شهد بمعاداة السامية، معتبراً ذلك «انعكاساً لعدم تسامح الصحافة مع أي انتقاد لإسرائيل». مخاوف التعدي على حرية التعبير في بريطانيا، لم تبدأ مع قضية أبو سلامة، التي تعيدنا إلى العام الماضي، حين فصلت جامعة «بريستول» بروفيسور عالم الاجتماع، ديفيد ميلر، بتهمة «معاداة السامية» رفعها ضده طلاب وموظفون. وتكمن خطورة الاتهام في محاولته المساواة بين النقد المشروع لـ«إسرائيل» ومعاداة السامية في محاولةٍ لإسكات الأصوات الفلسطينية وغير الفلسطينية، وتقويض ما هو حقيقي وضروري للغاية.