القاهرة | القوة الناعمة التي فرضت حضورها في عروض أفلام الأسبوع الأول من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» وروّاده، ليست هي نفسها تلك التي تحدّثَ عنها مدير المهرجان محمد حفظي خلال احتفال الافتتاح قاصداً السينما بصناعتها وتأثيرها، على عكس السياسة بتلاوينها وعنفها وحنكتها. إنما هي الأفلام التي تطرّقت إلى قضايا المرأة المختلفة وقهر العادات والتقاليد وتحقيق الذات، والعنف، وجسدها، ونظرة المجتمع المحافظ والحجاب.أفلام انتصرت لقضية المرأة، صنّاعها من الرجال والنساء على السواء. لكلّ سيدة معاناة خاصة ولكنّهن يتوحّدن ضد نظرة المجتمع لهن كأنّهن عورة أو عالة.

هكذا، حضرت «بنات عبد الرحمن» الأربع (الفيلم الأردني الذي عرض ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية») يرافقهن مخرج الفيلم زيد أبوحمدان. كما حضرت مخرجات فيلم «بلوغ» السعودي، فيما شكّل «من القاهرة» مع بطلاته ومخرجته هالة جلال واحداً من أجمل الأفلام التسجيليّة التي استطاعت أن تضيء بأسلوب سردي جميل على نموذجين نسائيّين عكسا هواجس بعض النساء في مصر.
في أحد أحياء الطبقة المتوسطة في عمان، تدور أحداث «بنات عبد الرحمن» الذي استغرق تصويره وإنتاجه سبع سنوات متتالية: زينب، سماح، ختام، وآمال (صبا مبارك، وحنان الحلو، وفرح بسيسو، ومريم الباشا) أربع شقيقات يلتقين بعد فترة تباعد بحثاً عن والدهن المخطوف. لكل واحدة شخصيتها ومعاناتها وظروف حياتها وغضبها المكتوم. تجمعهمن مصيبة غياب الأب، فتبدأ رحلتهن القصيرة مع البحث وفيها الكثير من حكايا الآخر (المجتمع والرجل) بكلّ ما يحمله من ظلم وخيانات وعادات وتقاليد، وظلم ذوي القربى (الأهل الجيران الزوج العم). أداء الممثلة فرح بسيسو لامس مشاعر الجمهور في صمتها وحزنها وابتلاعها لكل «فضائح» أخواتها، كما في ثورتها وغضبها على المجتمع المراوغ الذي يُدين ولا يُدان!
كذلك فعلت الممثلة صبا مبارك وهي شريكة في إنتاج الفيلم. أدّت صبا واحداً من أجمل أدوارها. وصفته في أحد لقاءاتها بـ «دور العمر». تجسّد هنا شخصية المرأة المنقبة التي تم تزويجها في عمر مبكر، وعانت ما عانته من عنف الرجل/ الزوج، وكبت لمشاعرها وسيطرة الفكر الديني على سلوكها وتفاصيل حياتها... إلى أن اقترب الأمر من وحيدتها. هكذا تحوّلت المرأة الخاضعة المستسلمة إلى نمرة شرسة محاولة حماية طفلتها من زواج مبكر بكل ما أوتيت من قدرة وغضب عبّرت عنهما بأداء مفعم بالمشاعر. صبا مبارك –بالمناسبة -واحدة من أفضل الممثلات الأردنيات اللواتي يحاولن تخطي الحدود الجغرافية إلى مساحة أوسع في العالم العربي بمشاركتها في العديد من الأعمال والتظاهرات السينمائية. ومثلهما فعلت الممثلتان جنان الحلو ومريم الباشا: الأولى تلعب دور «سماح» وهي الأجرأ بين شقيقاتها، استطاعت إقناع الجمهور الحاضر باعتبارها امرأة قوية وكسرها كل التقاليد وعنفها أحياناً تجاه كل محظور، لكنها أيضاً متألّمة ولديها معاناتها الخاصة. إذ تزوجت رجلاً ثرياً دأب على خيانتها، لتكتشف في النهاية أنّه مثلي الجنس. استطاع المخرج زيد أبوحمدان تفجير كل الطاقة المخزّنة داخل جنان الحلو بكثير من الاحتراف، وكان للظرف والفكاهة مكان، أضافا طراوةً على أجواء الفيلم تماماً كما فعل المخرج مع كل ممثلاته. هدوء مريم الباشا مثلاً بالرغم من المواقف المتشنجة، بكاء فرح بسيسو المكتوم، ثورة وغضب صبا مبارك وكاركتير جنان الحلو، كأنه أخرج مارداً من قمقمه.
ساحر هذا الفيلم وجميل بكل تفاصيله وحركة كاميراته التي عكست واقع أحد أحياء الطبقة المتوسطة في الأردن وفي كل حي عربي. قصص خلف أبواب موصدة كبّرتها عين السينما التي «إما تخيب إما تصيب». وهي أصابت بالفعل مع فيلم «بنات عبد الرحمن» المرشح لنيل إحدى جوائز «مهرجان القاهرة السينمائي» الذي تُختتم دورته الـ 43 في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) الحالي.