قبل ثلاث سنوات، فازت لائحة «الوحدة النقابية» التي ضمّت وقتها 12 عضواً، وخُرقت بثلاثة أسماء من اللائحة المقابلة «القرار الحرّ» (أندريه قصاص، الياس عون وحبيب شلوق)، وانتُخب حينئذ جوزيف القصيفي نقيباً للمحرّرين، خلفاً للنقيب السابق الياس عون. اليوم، تخاض انتخابات «نقابة محرّري الصحافة» في مقرّ «الاتحاد العمالي العام»، لانتخاب النقيب وباقي أعضاء المجلس، ضمن أجواء تنافسية تتطاير فيها شعارات «التغيير» وإخراج السياسة من الجسم النقابي. الخرق الذي سُجِّل سابقاً للمرة الأولى، جرى ضمن معركة محتدمة، كانت تخاض سابقاً ضمن أطر معلّبة، ومضمونة النتائج تبعاً للجدول النقابي الذي كان مقفلاً أمام الصحافيين، ومقتصراً على عدد معيّن منهم، يعلنون ولاءهم للنقابة، وأغلبهم خرج منذ زمن من مهنة الصحافة. هذه المرة، تختلف أجواء الانتخابات جذرياً عمّا كان يحصل سابقاً، مع تنافس ثلاث لوائح: اثنتان منها غير مكتملتين، فيما قرّر آخرون خوض المعركة النقابية منفردين أمثال: ريميال نعمة وحبيب شلوق الذي حلّ في الانتخابات السابقة على اللائحة المعارضة المنافسة، وأليسار قبيسي مرشَّحة ما يُسمّى بـ «نقابة الصحافة البديلة» التي تأسّست بعد «17 تشرين» كحركة معارضة «للنقابات السائدة».
قبل أيام، أعلن نقيب «المحرّرين» جوزيف القصيفي عن لائحة «الوحدة النقابية» المكتملة، التي تضمّ وجوهاً من المجلس النقابي السابق (صلاح تقي الدين، واصف عواضة، سكارليت حداد، يمنى شكر غريب، جورج بكاسيني، هنادي السمرا، محمد نافذ قواص، وجورج شاهين...)، إلى جانب وجوه أخرى جديدة وصفها القصيفي لـ «الأخبار» بـ «الوجوه الصحافية المعروفة» و«الموجودة على الساحة الإعلامية». المقصود هنا، كل من وليد عبود وغسان ريفي اللذين انضما إلى لائحة تضم 12 مرشحاً. في مقابل هذه اللائحة، خرجت لائحة «صحافيون لنقابة حرة» (غير مكتملة) وضمّت كلاً من ريما خداج، ​خليل فليحان​، داود رمّال، مارلين خليفة، محمد الضيقة، جاندارك أبي ياغي وصفاء قره محمد، إلى جانب لائحة ثانية (غير مكتملة) سمّت نفسها «لائحة الصحافيين المستقلين» وضمّت كلاً من أنطوني العبد جعجع، نهاد طوباليان، يقظان التقي ومي عبود أبي عقل. في البرامج المعلنة للوائح، تطايرت شعارات حماية الصحافيين، وتحصينهم نقابياً، إلى جانب الشعار المستجدّ المتمثّل في رفع لواء «التغيير». شعار تكرّر أكثر من مرة، سيّما على لائحة «الصحافيين المستقلين»، التي أبعدت أعضاءها عن أي «انتماء سياسي أو حزبي أو طائفي»، وأيضاً، في البيان الذي أصدرته «نقابة الصحافة البديلة»، معتبرةً أنّ ترشّح أليسار قبيسي يندرج ضمن «ضمان حق مراقبة الانتخابات»، و«احترام الأسس الديمقراطية»، و«المعركة المستمرة من أجل حماية حقوق العاملين في قطاع الإعلام».
ثلاث لوائح ورفع شعارات التغيير، و«نبذ السياسة» من الجسم النقابي


إذاً، تخاض انتخابات «محرّري الصحافة» اليوم ضمن منحى مختلف، في أجوائها وشعاراتها، ما ينسف المرحلة السابقة بشكل كامل، ويُدخل شعارات تنافسية، تحتاج بالطبع إلى تعديل قوانين داخلية لإقرارها، إذ سيتوجه اليوم 910 محرّرين منتسبين إلى النقابة، ومسجّلين على جدولها النقابي، للاقتراع. وبعد تحقيق النصاب الذي يصل إلى 456، تبدأ العملية الانتخابية صباحاً وتنتهي عند الخامسة من مساء اليوم. وفي الحديث عن الجدول النقابي، الذي شكّل عائقاً أساسياً في نزاهة الانتخابات وشرعية التمثيل في السنوات الماضية، يقول لنا القصيفي، بأن ما يفوق الـ 300 محرّر، دخلوا أخيراً إلى النقابة، بعد فتح الأخيرة باب الانتساب من ميادين مختلفة في الصحافة المكتوبة والمسموعة والإلكترونية. وبالتالي يستند إلى هذا الرقم، لينفي إمكانية حصول انتخابات معلّبة، ومُعدّة سلفاً. وأضاف: «هناك تنافس مفتوح» مستبعداً في الوقت عينه إحداث أيّ خرق في لائحته، رغم تكاثر اللوائح والأسماء المنفردة. طبعاً، إدخال منتسبين جدد إلى الجدول النقابي، ومن كل الاختصاصات، يأخذنا إلى مشروع «تطوير نقابة محرّري الصحافة اللبنانية» الذي أطلقه وزير الإعلام السابق ملحم رياشي، عام 2017، وما زال حبيس أدراج «لجنة الإعلام والاتصالات» النيابية، وقد وُصف وقتها بـ «التاريخي» كونه يكسر قانون المطبوعات، ويفسح في المجال أمام الصحافيين من المجالات كافة، بالانتساب إلى «نقابة المحرّرين»، وتحصينهم مهنياً ونقابياً. مشروع اعترضت عليه «نقابة الصحافة» وقتها ووصفته بـ «الخطوة المجتزَأة والناقصة». والحقيقة أن النقابة خشيت وقتها من استقلالية معيّنة يمكن أن تتخذها «نقابة المحرّرين» بعيداً عنها، بما أن الأخيرة تُعدّ جزءاً من «المجلس الأعلى للصحافة» الذي يضم النقابتين، وتتفرّع عنه لجان مشتركة. فما الذي سيحصل اليوم؟ وكيف سترسو المشهدية الانتخابية التي يراد لها أن تتطعّم بأجواء انتخابات أخرى نقابية تخاض في ميادين مختلفة كالطبّ والمحاماة وغيرهما لإثبات أن هناك روحاً «تغييرية» ستحلّ على نقابة عتيقة، وستمسك العصا السحرية وتُغيّر أحوال الصحافيين!