«بطل» هو فحص حرفيّ للعدالة والظلم، والصدام المذهل بين رغبات الفرد وهواجسه
تبدأ الثقوب في الظهور في قصة رحيم، بينما يشتدّ الطوق على عنقه. تعتمد براءته على قدرته على الإقناع في شرح الأمور وكسب المعركة. مَن وجد الحقيبة؟ ومتى؟ ما كانت خطة رحيم الأصلية للحصول على المال؟ من هي المرأة التي أخذت الحقيبة مدّعيةً أنّها ملكها؟ لماذا تمدح سلطات السجن سجينها بهذه السرعة؟ ما دور الجمعيات الخيرية؟ لماذا دخلت حياة رحيم؟ لماذا لا يزال باهرام غاضباً يشكّ برحيم؟ يبدو رحيم رجلاً بريئاً بابتسامة متفائلة، لكن خلف تلك الابتسامة عقل يفكّر في المشكلة ويغرق ببطء في اليأس. هذا العمل «البطولي» يضعه الآن في ورطة أكبر. وكلّما حاول أن يكون أكثر صدقاً وحلّ المشكلات ليتمكن من السير في الطريق الصحيح، كلّما ازداد الأمر سوءاً. هل يستطيع رحيم الذي يبدو صادقاً أن يتحمّل كل الضغوط؟ رحيم غير متكيف مع مُجتمع ماكر، حاول أن يلعب لعبته ولكنه لا يجيد المكر مثله. تدور الدراما الأخلاقية لفرهادي حول ثمن الحرية بعناية شديدة على مدى ساعتين من أجل الكشف عن التفاصيل شيئاً فشيئاً. يترك الفيلم عقدة متشابكة حول العديد من القضايا، ويفتح نافذة صغيرة يلقي من خلالها الضوء على ما يحصل من نظرة ثانية، ويترك أيضاً للمشاهد ما يكفي ليفكر فيه.
أشار فرهادي إلى أنّ قصصاً مماثلة تذاع غالباً على شاشة التلفزيون في إيران. لذلك، نسج وخلق قصة أخلاقية معقّدة وسط غياب اليقين، ووضعنا في مدينة شيراز الإيرانية، كأنه يقول للمجتمع بأنّه هو يشك في هذه القصص والأخبار. قدّم شخصية رحيم المطلق والمعذب بهدوء، والأب لابن يتلعثم أو يعاني من إعاقة في الكلام. في بعض الأحيان، وضع فرهادي رحيم في وضع يسمح له بالإفادة من تلعثم ابنه. يضع فرهادي شخصياته عمداً في مواقف مستحيلة، ويضمن عدم خروجها بريئةً تماماً. خلق المخرج الإيراني معضلة أخلاقية شبه كاملة، مما يضع الجمهور باستمرار في وضع غير مريح أثناء استخلاص النتائج. قوة فرهادي أنّه يعرف مجتمعه ويعرف كيف يزعجه، وكيف يزعج المشاهدين ويجعلهم يواجهون تعقيد فصل «الصح» عن «الخطأ». في مجتمع أخلاقي، يمكن أن يكون للفعل غير الأناني لرحيم له تأثير إيجابي، ولكن عندما تكون الظروف والدوافع موضع تساؤل، يتحول الصالح فجأة إلى شرير، لأنّ الجميع يريد أن يحافظ على صورته الأخلاقية أكان أهل رحيم أو الدائن أو مأمور السجن أو حتى الجمعيات الخيرية والدولة نفسها. كرمت الجمعيات رحيم ووعدته بعمل لردّ الدين، ولكن الدولة تريد أن تعرف كل التفاصيل. كيف لها أن توظف شخصاً يقال بأنه كاذب؟ وإن كان كذلك، فالدولة لا تعطيه فرصة للتخلص من ديونه، بل تضعه في الزاوية لتكشف صدقه. يكبّلنا فرهادي كعادته، وفي فيلم مبني على الحوارات المدروسة جيداً، ليس لدينا إلا خياران لمعرفة الحقيقة: الوثوق بكلمة مَن يتكلم، أو العكس. فنحن في النهاية عبيد للقصة، هذه هي الطريقة الذي يغذي فيها فرهادي معضلاته الأخلاقية التي لا يتمّ حلها. نعم، إنه أمر محبط ولكن هذه هي لغة فرهادي الخالية من العيوب.
«بطل» الذي حاز الجائزة الكبرى في «مهرجان كان» الأخير، رشحته إيران ليمثلها في جوائز الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي. إلا أنّ فرهادي نشر قبل أيام على حسابه على انستغرام بأنّه يجب على الحكومة سحب فيلمه من السباق إذا كانت تعتبره أحد مناصريها. كتب: «على مدى سنوات، اتهمتم أعمالي بأنّها مزيفة، ومن المذهل اليوم مشاهدتكم تفعلون العكس». لا يمكن فصل الفيلم عن صرخة فرهادي الشخصية، فـ «قهرمان» هو فحص حرفيّ للعدالة والظلم، كأن فرهادي يصرخ، بأنّ إعطاء رحيم فرصة للعمل ليسدد دينه أسهل من ملاحقته وكشف إن كان يكذب! الفيلم تذكير بأن الحياة في المجتمع تنبثق من الصدام المذهل بين رغبات الأفراد وهواجسهم، وأنّ القدر في المجتمع الإسلامي يكبّل الجميع. وإذا كان فيلم «بطل» دراسة للحالة الاجتماعية في إيران، فستكون النتيجة الوحيدة هو فقدان الأمل بالمجتمع.