هجاء وسخرية. سيرة ذاتية ملقّمة بنقد ذاتي. أحد أكثر أفلام المخرج الألماني راينر ڤيرنر فاسبندر (1945 ـــ 1982) شخصانية ومحوريةً في مسيرته وعنها، وفيلمه الوحيد عن عالمه الخاص لصناعة الأفلام. «احترس من عاهرة مقدّسة» (Beware of a Holy Whore) فيلم داخل فيلم. العمل الذي أُنتج عام 1971، هو إعادة تمثيل نقدية إحيائية للمشاكل التي واجهت فاسبندر على امتداد فترة صناعة فيلم Whity الذي أنتجه في العام نفسه.مجموعة ممثلين وطاقم عمل يقيمون في فندق، في صدد تصوير فيلم. التفاصيل ضبابية. هم يقتلون الوقت، ينتظرون المخرج المتأخر، ثم يصل بالطوافة، يبدأ بالصراخ، يشرب الكحول بنَهم، يُصيبهم بالفزع. الانتظار يمتد رغم وصول المخرج. الفيلم غير كامل والمال غير كافٍ. في رواق الانتظار الطويل، نقاشات في مزايا الاشتراكية وصولاً إلى مشاكل الحياة الشخصية. كحول يتم استهلاكه بكثافة. جنس بين الحين والحين وأشخاص تشتّتهم مخاوف شخصية. نرى كل شيء إلا تصوير الفيلم المفترض. كل ما يحيط بالفيلم وطاقمه إلا النشاط الفعلي لتصوير المشاهد. «احترس من عاهرة مقدّسة» يقدم نظرة تجريبية متعددة الطبقات للتجربة الإنسانية، من الإحباط والوحشية والحب والكره والنجاح والفشل. هي المشاعر المتناقضة والضائعة لكل فرد رافق تصوير فيلم فاسبندر المفترض. ماذا فعل طاقم عمل فيلم تقطّعت به السبل ولكنّه يصر على التصوير؟ يُرينا فاسبندر الوجه الآخر لعملية صناعة الأفلام: كيف يكون الفيلم عملية فنية تعاونية موحشة ومربكة وفوضوية أحياناً ومقيّدة مالياً. في الفيلم، قدم فاسبندر صورة عن صناعة الأفلام في عالمه الخاص. كيف أُسقطت شخصيته المجنونة على آلية صناعة أفلامه. الفيلم الثاقب والمبهج يصوّر نوعاً من أشكال الجنون الجماعي، من فقدان الاتصال بالواقع الذي يسكن الطاقم والشخصيات لفترة محددة من الزمن، إلى الحُمّى الكبرى التي تتحكّم بالإلهام والإنتاج الفني في كثير من الأحيان.
قبل وفاته بقليل، وضع المخرج الغزير الإنتاج قائمة بأجمل أفلامه. هذا الفيلم هو الأفضل بالنسبة إليه. والسبب واضح، هذا العمل صورة عنه، عن طريقته في الإخراج، عن آليات الإبداع الخاصة به. كيف يخلق الحالة الفنية ويحيط نفسه بها. لا يتوانى فاسبندر عن انتقاد نفسه، عن إيجاد ثغرات في آلياته، وعن لوم نفسه على الغرق في العمل حتى بات رجلاً منهكاً ومتوتّراً. فاسبندر أوجد الوصف الأمثل والأعمق لفيلمه ««العاهرة المقدّسة» هو كيف لا تستطيع مجموعة العمل معاً ولو أراد أفرادها ذلك. كيف لا يمكن تحفيز الإنتاجية في دواخل أفرادها. لم أعرف على وجه اليقين إن كان هذا الفيلم بداية لشيء جديد، لكنّه بكل تأكيد نهاية حقبة سابقة. لقد دفنّا حلمنا الأول المتمثل بالـ anti-theatre، لم أعرف ماذا سيحصل بعد ذلك، ولكنني عرفت أنّ الأمور يجب أن تتغيّر».