للسنة الثانية على التوالي، يُقام «مهرجان مسكون» لأفلام الرّعب والخيال العلمي في الفضاء الافتراضي. واقع فرضه الوباء، إلى جانب الأزمات المتتالية التي تنهمر على لبنان حتى صار الأوكسيجين عملةً نادرةً! بدءاً من اليوم لغاية 28 تشرين الثاني، تنطلق الدورة الخامسة من المهرجان الموجّه لمحبّي النوع، مع ميزة إضافية هذه السنة، تتمثّل في تخصيص هامش أكبر للمشاركات العربية من خلال «توسيع إطار المسابقة لتشمل أفلاماً عربية قصيرة، لا لبنانية فقط، وباستمراره ـ للعام الثاني ـ في دعم مشاريع أفلام من العالم العربي، في مختبر Maskoon Fantastic Lab، مع وصول عروض الدورة الـ5 إلى جمهور أوسع، يتجاوز لبنان إلى دول المنطقة، بفضل صيغته الافتراضية عبر الإنترنت، المطعّمة بجانب حضوريّ يقتصر على الافتتاح والختام» وفق ما قالت مديرة المهرجان ميريام ساسين في بيان. الحدث، الذي تنظّمه «بيروت دي. سي»، يُطلق العنان للرعب والإثارة والفانتازيا والخيال العلمي، وسوف يعرض الأفلام على منصة «أفلامنا» لتكون متاحة للجميع في لبنان والمنطقة العربية على السواء. إلى جانب المشاركة العربية الواسعة، يشهد الحدث عروضاً من فرنسا وإسبانيا واليابان وأيسلندا وتونس والدنمارك وأستراليا. تصميم واضح من القيمين الذين اعتبروا أنّ إقامة المهرجان كان قراراً صعباً، في ظلّ التحديّات التي تهدّد القطاع الثقافي، لكنّ «بقاء الفكر ضروريّ تماماً كبقاء الجسد». فما الذي يُخبّئه لنا المهرجان في دورته الخامسة؟

■ اطلبوا البرنامج
تُهيمن على برنامج العروض مجموعة من أفلام الإثارة والرّعب المظلمة التي تضع الرجال والنساء في مواجهة مجتمعاتهم التي تُحاصرهم ككابوس حيّ. فيلم الافتتاح في 3 تشرين الثاني سيُقام حضورياً في «سينما مونتاني» في المعهد الفرنسي في بيروت. إنّه الفيلم الحائز سعفة «كان» الذهبية هذه السنة. نقصد «تيتان» للمخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو. بدأت الأخيرة مسيرتها عام 2011 مع فيلمين قصيرين. في عام 2016، صدمت كثيرين بفيلم «نيء» عن شابة تأكل اللحم البشري. فيلم كُتب بذكاء وأُنجز ببراعة. قصة برّاقة يُراق فيها الكثير من الدماء عن تفتّح وعي شابة لمتعة الجسد واللّحم، بكل ما تحمله هاتان الكلمتان من معنى. أما في فيلمها الجديد «تيتان»، فتدفع المخرجة الفرنسية نفسها أكثر إلى الأمام، نحو المزيد من الاستفزاز، فتغوص في مواضيع الهوية الجنسية والأبوة جنباً إلى جنب مع تيمات رعب الجسد وروح الدعابة الدموية التي أصبحت علامة واضحة في مسيرتها السينمائية. في سينما «مونتاني» أيضاً، سيعرض فيلم الختام «حمَل» (24 تشرين الثاني). شريط رعب من توقيع المخرج الأيسلندي ڤلاديمير جوهانسون، عُرض للمرة الأولى ضمن تظاهرة «نظرة ما» في «مهرجان كان». يأخذنا العمل إلى ريف أيسلندا عند ماريا وأنغڤار الزوجين الذين لم يُرزقا بأطفال، فإذ بهما يكتشفان في حظيرة أغنامهما، مولوداً غريباً وغير طبيعي. قرّرا تربية هذا المخلوق الذي سيُدخل السعادة إلى حياتهما، قبل أن يُصبح سبب دمارهما، حين تقرّر قوة غامضة إعادة المخلوق إلى حيث ينتمي.
بقيّة العروض سوف نشاهدها على منصة «أفلامنا». إذ يشهد كل أسبوع من شهر تشرين الثاني، عرض مجموعة مختارة من الأفلام مجاناً في لبنان وجميع الدول العربية، على أن تكون المشاهدة محدّدة بـ500 مشاهدة لكل فيلم.

■ الأسبوع الأول:
من 1 حتى 7 تشرين الثاني

خلال هذا الأسبوع، سنشاهد فيلمين إسبانيّين، وفيلماً مكسيكياً. العمل الكلاسيكي «صندوق الهاتف» أو La Cabina (1972) للإسباني أنطونيو ميرسيرو عن رجل محاصر داخل صندوق الهاتف. يُحاول كثيرون إطلاق سراحه من دون جدوى، إلى أن يصل عمّال شركة الهاتف ويتحوّل الارتياح من وصولهم إلى حيرة ثم رعب. الفيلم الإسباني الثاني يحمل توقيع ديڤيد ڤيكتوري بعنوان Cross The Line (2020). فيلم إثارة عن رجل على وشك المغادرة في رحلة طويلة عقب وفاة والده. مغامرة تتحوّل إلى كابوس لتنظيف الفوضى التي تحدث بحجة الدفاع عن النفس. أما المكسيكي ميشال فرانكو فيقدّم فيلمه الجديد «نظام جديد» New Order الحائز جائزة لجنة التحكيم الكبرى في «مهرجان البندقية» عام 2020. في هذا العمل، يتحوّل زفاف فخم لمجتمع راق، إلى انتفاضة غير متوقعة، وصراع طبقي، ويُفضي إلى انقلاب وانهيار نظام سياسي وظهور بديل أكثر ترويعاً.
تهيمن على البرنامج مجموعة من أفلام الإثارة والرعب المظلمة التي تضع الرجال والنساء في مواجهة مجتمعاتهم


■ الأسبوع الثاني:
من 8 حتى 14 تشرين الثاني

أسطورة المؤثّرات الخاصة فيل تيبيت يقدّم فيلمه الجديد Mad God. عمل بلا حوارات مسموعة يتكوّن بالكامل من رسوم متحركة وبتقنيّة «ستوب موشن». كما أن تيبيت سيقدّم «ماستر كلاس» مجاناً عبر الإنترنت. المخرج الدنماركي أندرس توماس جنسن يقدم Riders Of Justice من بطولة مادس ميكلسن الذي يلعب دور ماركوس الذي يبدأ برعاية ابنته وحيداً بعدما توفيت زوجته في حادث مأساوي. ولكن بعد ظهور حقائق غريبة، يشتبه ماركوس في أن زوجته قُتلت ويشرع في مهمة للعثور على المسؤولين.

■ الأسبوع الثالث:
من 15 حتى 21 تشرين الثاني

يقدّم المخرج الأسترالي أليكس بروياس ماستر كلاس خاصاً غبر الإنترنت مفتوحاً للجمهور، إلى جانب عرض ثلاثة من أفلامه القصيرة التي تم إنتاجها أخيراً هي: Phobos و Strange Nostalgia و Mask of The Evil Apparition. من اليابان، يعرض فيلم Beyond The Infinite two Minutes للمخرج جونتا ياماغوتشي الذي يدور حول تلفزيون في مقهى، يكتشف صاحبه أنه يعرض صوراً من المستقبل ولكن قبل دقيقتين منه.

«كيف تحولت جدتي إلى كرسي» لنيكولا فتّوح

■ الأسبوع الرابع:
من 22 حتى 28 تشرين الثاني

الفيلم التونسي «ما تسمع كان الريح» أو Black Medusa للمخرجين يوسف شابي وإسماعيل سوف يُعرض خلال الأسبوع الأخير من المهرجان. «ما تسمع كان الريح» يحكي عن ندى التي تبلغ 25 عاماً وتقيم في تونس العاصمة. تعاني ندى من ضعف في السمع وتعيش حياة مزدوجة. في النهار، تعيش حياة منعزلة وتعمل كمحررة محتوى ڤيديو لكنها تغوص بعد حلول الظلام في الحياة الليلية في تونس وتطارد الرجال. «ما تسمع كان الريح» مستوحى من أسطورة ميدوزا، ولكن في عصر #مي-تو. من فرنسا، سيعرض Messe Basse، فيلم إثارة نفسي من توقيع بابتيست درابو الذي يدور حول جولي التي بدأت للتو دراستها الجامعية في بوردو، وتنتقل للعيش مع أرملة عجوز تعطيها غرفة مقابل مساعدتها في الأعمال اليومية. ولكن هناك شرط واحد: التصرّف كما لو كان زوج العجوز الميت لا يزال على قيد الحياة. سرعان ما تبدأ جولي بالشعور بوجوده ويبدأ مثلث حب خطر لا مفر منه.
فيلم الختام «حمَل» للمخرج الأيسلندي ڤلاديمير جوهانسون

■ الأفلام القصيرة
بالإضافة إلى الأفلام الدولية، عادت «مسابقة الأفلام القصيرة»، لكنها هذا العام لا تقتصر على لبنان، بل تتعدّاه إلى العالم العربي بأكمله. عشرة أفلام ستتنافس على «جائزة مسكون» ( 500 دولار)، وأفضل فيلم لبناني سيشارك في مهرجان Cinemed العام المقبل في مونبلييه الفرنسية. أفلام متنوعة تحمل توقيع مخرجين ومخرجات شباب، ينقلنا كل منهم إلى عالمه الخيالي أو الواقعي. أعمال تعبّر عن روح الشباب ونظرتهم إلى حاضرهم العربي وتطلعاتهم إلى المستقبل في مناخ من الرعب والإثارة والخيال العلمي. علماً أنّ لجنة التحكيم تتألف من المدير الفني لـ «مهرجان لوكارنو السينمائي» جيونا نازارو، والمخرجة اللاوسية ماتي دو، ومصمّمة الصوت والمخرجة اللبنانية رنا عيد.
في «حكم الأزعر»، يحاول عبدو أن يعيش يوماً عادياً في بيروت مع الديون، والأزمة الاقتصادية، والجوع، وانفجار المرفأ


أما بخصوص الأفلام المشاركة في المسابقة، فيحضر لبنان هذه الأيام بكل تخبّطاته وأزماته من خلال فيلم «حكم الأزعر» (The System – فايز أبو خاطر) المستوحى من أحداث غير حقيقية، ولكنه الحقيقة. هكذا يبدأ فيلم المخرج فايز أبو خاطر ليأخذنا المخرج بعده في دوّامة مع عبدو الذي يحاول أن يعيش يوماً عادياً في بيروت، بينما الديون، والأزمة الاقتصادية، والجوع، وانفجار المرفأ وكل شيء يضغط عليه. ضمن أزمات البلد، يندرج فيلم «هردبشت» (The Hurl – سمير القواص). تبدأ القمامة حول بلدة صغيرة في لبنان بتشكيل برج هائل يصل إلى السماء. إنها ساعة الانتقام، من طبيعة ضاقت من غدر أبنائها. أبراج القمامة تجول الشوارع، حالة من الفوضى تعمّ الأجواء. أما الأهالي، فهم غير مدركين للثمن الذي سيدفعونه. أيضاً، يقدّم اللبناني نيكولا فتّوح «كيف تحولت جدتي إلى كرسي» (How My Grandmother Became a Chair) الذي يلقي بوزن الحياة والموت على كاهلنا. يتحفظ على التكلم عن الموت والحزن. يركز على الجانب المظلم من الطبيعة البشرية التي تبدأ في الظهور عند حدوث أمر كبير. قصة الفيلم بسيطة: في منزل الجدة القريب من البحر، يقترب الأخير بلا هوادة. في الداخل، تبدأ الجدة بفقدان حواسّها الخمس الواحدة تلو الأخرى، وتصبح تدريجاً خشبية. ذات يوم، تتحول تماماً إلى كرسي خشبي بينما تنتظر أن يقوم أبناؤها الجشعون بزيارتها. روز، «الوحش» تعمل كمدبرة منزل، تبذل قصارى جهدها لمنع التحول، لكنها تفشل. كذلك، يشارك الفيلم اللبناني «ألين» (Aline – كريستوف سجعان) في المسابقة. ألين، ممثلة تبلغ 27 عاماً، ضائعة بسبب صدماتها السابقة بعد سنوات عديدة من الإساءة. كلّما قاومت، كلما ازداد عالمها تشوّهاً. أخيراً من لبنان، يعرض Blinded By Desir لغيبير ناجاريان عن إبراهيم الذي لم يستطع تحمّل فكرة فقدان ابنته. زوجته تلقي عليه اللوم في اختفائها، مما يدفعه إلى ارتكاب أعمال شنيعة لمحاولة إعادتها.

Mask of The Evil Apparition للأسترالي أليكس بروياس

من السعودية، سيعرض «أرض القبول» (Acceptance Land – منصور أسد). في خمسة عشر دقيقة، يأخذنا المخرج السعودي منصور أسد إلى ما بعد الحرب العالمية الثالثة، تحديداً عام 2069، حين تكافح خادمة في رعاية طفلها في ظلّ مجتمع طبقي يصنّف السكان بناء على ألوان ملابسهم في قالب خيال علمي تشويقي. أيضاً يشارك الفيلم السعودي «دورة تفاح» (Cycle of Apple). لإعادة استكشاف أسطورة الأميرة المفروضة على النساء، تأخذنا المخرجة السعودية مهى السّاعاتي إلى جزيرة تسكنها أميرات ديزني المطيعات. تكشف عن قصة خيالية سارت بشكل خاطئ، عندما تكوّن بياض الثلج صداقة مع كبش ناطق وتسعى للحصول على تفاحة الحياة الأبدية. من الكويت، يشارك «بنت وردان» (J’ai Le Cafard) لميساء المؤمن عن امرأة في حالة مزاجية حزينة، تكافح من أجل مواكبة حياتها والتعامل مع زملائها في العمل في عالم الشركات المتطلب. تتطور المواجهة مع صرصور محتضر في مرحاض المكتب إلى صداقة سخيفة، لتصبح الرفقة التي تحتاجها مدمّرة على حياتها. من قطر، يشارك «الخمار الأسود» (The Black Veil ـــ أي. جي. آل تاني) عن امرأة تعرض حياتها للخطر من أجل الحصول على حريتها. ومن المغرب، سيكون الجمهور على موعد مع Exodus لياسين الإدريسي عن رجل عجوز وشاب يهربان من العبودية، ليجدا نفسيهما في رحلة عبر الصحراء. الأول يبحث عن الكمأة، والثاني يبحث عن الذهب. يكافح العجوز مع واقعه الجديد كشخص حرّ، ويميل إلى العودة إلى العبودية، بينما الصغير مقتنع أنه لا يمكنهما البقاء على قيد الحياة إلا إذا بقيا متمسّكين بالحرية.


أين الأرواح والشياطين العربية؟
منذ فجر التاريخ، نستخدم خيالنا النابض لرؤية الأشباح والتواصل عاطفياً مع المجهول والغامض. قبل صناعة الكاميرا، كان الناس يروون قصصاً مخيفة. وبعد اختراع الكاميرا، فتحت السينما الباب لأفلام الرعب، لهذا العالم المخيف، لجوهر الخوف كي نراه بأعيننا. بدأت أفلام الرعب مع بداية السينما، وتطورت كثيراً حتى أصبح كل بلد ومنطقة يطوّران نوعهما الخاص، ليتلاءم مع جو المدينة وقصصها التاريخية والمعاصرة. لكل ثقافة قصصها ومخاوفها الخاصة. في عالمنا العربي، تأخرنا كثيراً لنواكب هذا النوع. عوامل عدة لعبت دوراً في ذلك، لكن العامل الأهم هو غياب الحرية والجرأة وسيطرة المحرمات والمحظورات على المجتمعات العربية. تعود جذور أفلام الرعب إلى حكايات الأديان والقصص الشعبية والأساطير والتاريخ. تهدف هذه العناصر إلى استغلال المشاهد وإشراكه في احتمالية الموت والألم. في عالمنا العربي، هناك حدود للغوص في الحكايات الغامضة للأديان. حرية شبه مفقودة، فيما استعمال الدين في السينما يبدو غير مقبول اجتماعياً بشكل عام، على الرغم من أن الأساطير المخيفة حاضرة كثيراً في الروايات والكتابات الدينية. الدين تكلم كثيراً عن الأرواح والسحر والشياطين والموت، ولكن السينما العربية لم تتطرق يوماً إلى هذه المواضيع (هناك تجارب تُعد على الأصابع وأكثرها مصري). لم نرَ الأرواح في السينما العربية، ولم نسمع أصوات الشياطين، ولم تنبش القبور، ولم يعد الموتى، على الرغم من أن واقعنا العربي خصب لهذا النوع من الأفلام. الأمور الخارقة للطبيعة شبه غائبة، وإن كانت موجودة، فإنّنا لا نتكلم عنها. هناك محرمات للدخول في حكايا الموت والمخلوقات الغريبة والحياة الأخرى والسحر والأحداث الشيطانية والزومبي والأرواح الشريرة والأشباح والأحلام والخرافات ومصاصي الدماء والوحوش، وهذه كلها العامل الأساس لأفلام الرعب. لا تحتاج أفلام الرعب إلى الكثير من المؤثرات الخاصة، فالخوف موجود في داخلنا من الأساس. مطلوب فقط صورة تثير هذا الشعور، ويمكن فعل ذلك بسهولة تامة. لطالما كان هذا النوع من الأفلام هو لدفع العقل والمجتمع خارج الحدود المفروضة عليه. أفلام الرعب العربية تتكون فقط من قصص تفتقر إلى الخيال، قصصنا التاريخية مليئة بالقصص المرعبة، لكن من غير المسموح التكلم فيها خارج أسوار البيت أو الجامع أو الكنيسة. حتى الدولة نفسها تخاف هذه القصص. إلى اليوم لم نر فيلماً عربياً واحداً عن قاتل متسلسل، لأنه بفكر الأغلبية هكذا نوع من الأفلام يدفع المجتمع إلى ارتكاب الجريمة. لا نضع اللوم فقط هنا على المخرجين، ولكن على المجتمع العربي كله. ولأن الفن خلق لكسر المحرمات والتكلم عن الأشياء التي يتجنب الحديث عنها، لا بد للسينما العربية من أن تدخل هذا المجال، أن تكسر محرماتنا، أو تخبرنا قصصنا المخيفة عن أدياننا، أن تعرض مشاكلنا النفسية... لنرى الدماء تسيل في السينما، لنرى الأجساد تتقطع، لنسمع صراخ الأموات وليُكسر حاجز الأمان المفروض علينا!