«كأنّ بيار جاميجيان كان يعلم برحيله، فقد جاء على سيرة الموت قبل ساعات قليلة من وفاته». هكذا، يختصر عبدو شاهين آخر لقاء جمعه مع الفنان الراحل. أوّل من أمس، التقى الممثل شاهين مصادفة بجاميجيان في «نقابة ممثلي الإذاعة والسينما والتلفزيون والمسرح» في منطقة بدارو (بيروت - المتحف). يقول لنا: «كنت في زيارة إلى النقابة، وجلست مع النقيب نعمة بدوي وبيارو، فتحمّس لإخباري قصة ساخرة حصلت معه خلال زيارة كان يقوم بها في منطقة شحور (قضاء صور) حيث نام الراحل بين القبور!». يتابع الممثل «بحماس زائد، أخبرني بيارو كيف نام ليلة في المقبرة من دون أن يعلم ذلك. قالي لي والضحكة تغمر وجهه: لقد كنت في زيارة ونمت في منزل ناءٍ قليلاً. وفي الصباح استيقظت على أصوات غريبة، ليتّضح أنّ المنزل قائم وسط مقبرة والقبور حولي من كل ناحية وصوب. عندها، جمعت ثيابي وبدأت الركض من دون النظر لا يميناً ولا يساراً شمالاً». يضحك شاهين بمرارة، لافتاً إلى أنّ جاميجيان استطرد هنا للحديث عن الموت والقبور، «ضحكنا كثيراً كأنه يعلم بأنّ الموت سيغدره صباحاً!». يتذكر شاهين الحادثة معرباً عن حزنه: «أكره أن أودّع عزيزاً. جلست معه وتشاركنا ذكرياتنا واستيقظت في اليوم التالي على خبر رحيله». يعرّج نجم مسلسل «الهيبة» (ورشة كتّاب وإخراج سامر البرقاوي وإنتاج «صبّاح إخوان») على بعض سمات شخصية الراحل «كان ظلّه خفيفاً في الحياة وكذلك في التمثيل. النكات عنده ليست مجانية، بل نابعة عن ذكاء، فهو ملك الكوميديا. ساخر من الحياة وكذلك من الموت. لم يكن «بيارو» مثل زملائه الفنانين المخضرمين الذين تعرّضوا لمظلومية إثر الحرب الأهلية، بل كانت لديه القدرة على الاستمرار مع الأجيال الشابة حيث طبع الدراما بنجاحات عدة». يقلّب شاهين صفحات عمله مع جاميجيان، قائلاً: «لقد عملنا معاً في ثلاثة أجزاء من «الهيبة»، وكذلك في برنامج «أوّل عا آخر» الذي عرض على قناة «المنار»، وفيلم welcome to lebanon (ﺇﺧﺮاﺝ سيف شيخ نجيب وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد السعودي)».
كان قومياً سورياً عريقاً وبارعاً في اللهجة الفلسطينية (نبيل عبد الساتر)


من جانبه، شكّل رحيل جاميجيان صدمة بالنسبة إلى صديقه ورفيقه في الفنّ والحياة أحمد الزين، فكان الوداع صعباً جداً. عند اتصالنا بزين، لم يستطِع الفنان المخضرم إكمال الحديث على الهاتف، مقدّماً اعتذاره بسبب صعوبة تنفّسه بسبب الأزمة القلبية التي تعرّض لها قبل أشهر قليلة. ثم سرعان ما يلتقط أنفاسه، تسبقه دمعته عند تذكر الراحل. لا يعرف «ابن البلد» من أين يبدأ لوصف صديقه. يقول بصوت مبحوح: «كانت صداقتنا عنوانها الحياة ووقفة العز. هو توأم روحي، وصداقتنا قديمة جداً. كان يحضر مسرحياتي هو وزياد الرحباني ويجلسان في الخلف من دون أن يخبراني مسبقاً بذلك، وكنت بدوري أتابعهما على المسرح أيضاً. كنت أحبّ وحدة بيار التي عاشها، هو عنوان الزمن الجميل. «بيارو» شخصية نموذجية ميزته شهامته وهضامته. في التمثيل، كان يفنّد تفاصيل الشخصية مهما كانت مركبة». يختتم الزين كلامه «إذا أردنا العودة إلى أعمال «بيارو»، هنا يجب أن نترحّم على كثيرين ممن توفّوا، على رأسهم الفنان ابراهيم مرعشلي. فقد حمل بيار جاميجيان أعمال مرعشلي على أكتافه. عرف بـ«بيارو» ومن يومها دخل قلوب المشاهدين. قليلون ينادونه باسمه بيار جاميجيان، والجميع يسأل: آه قصدك بيارو! لقد كان النجم الساطع مع الثنائي جوزيف صقر وزياد الرحباني». يعتذر الزين عن عدم إكمال حديثه «لقد فجعت العام الماضي برحيل زميلي حسام الصبّاح (1948-2021)، واليوم توفي بيارو. يا حيف يا حيف، بالأمس كنا نصوّر الجزء الثاني من مسلسل «للموت» (كتابة نادين جابر وإخراج فيليب أسمر وإنتاج «إيغل فيلمز») الذي سيعرض في رمضان المقبل، وأفقت صباحاً على خبر رحيله! يا لسخرية هذه الحياة!».
لم تكن صداقة ختام اللحام مع بيار جاميجيان حديثة، بل إنّها رفقة عمر طويلة. في اتصال مع «الأخبار»، تقول الفنانة: «خسرناه للأسف! «بيارو» صديق قديم، كان رفيق زوجي ومن ثم أصبحنا أصدقاء. خسرنا إنساناً صادقاً، فناناً بكل ما للكلمة من معنى. الفن أخلاق والراحل كان معروفاً بأخلاقه العالية، لم يكن نمّاماً، بل عُرف بطيبة قلبه!». بالنسبة إلى الفنانة، فإن جميع الأعمال التي قدمها الراحل تركت بصمة، قائلة: «نجح في الكوميديا وفي الدراما. أينما يحلّ كان يملأ مركزه، وليس متعدّياً على الفنّ».


من جانبه، يرفض الممثل باسم مغنية الكلام عن الراحل، معرباً عن حزنه الشديد على غيابه. يقول الممثل اللبناني: «لقد كنا نصوّر عملين معاً دفعة واحدة. الأول مسلسل «هروب» (سيُعرض على تطبيق «شاهد») والثاني «للموت 2» (سيعرض في رمضان 2022)، وكان من المفترض أن نصور ثلاثة مشاهد معاً اليوم، ولكن الموت كان أسرع».
على الضفة الأخرى، خاض الراحل تجربة فريدة من نوعها مع الأعمال التي عُرضت على قناة «المنار». سلسلة طويلة من المشاريع الدرامية والكوميدية الساخرة التي لعب بطولتها جاميجيان، ولا تزال محفورة في ذاكرة المشاهد. في هذا السياق، يقول الكاتب نبيل عبد الساتر بأن مشاريع عدة كتبها الساتر ولعب جاميجيان بطولتها، وأبرزها برنامجا «أوّل عا آخر» حيث لعب بطولة أكثر من 100 حلقة (بين 2014 و2018)، و«المتل شو بقول». كذلك، كان حاضراً في مسلسلي «قيامة البنادق» و«الغالبون» الذي ألقى الضوء على المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي». وعن أداء الراحل، يعلّق عبد الساتر: «تميّز بالتلقائية والعفوية. لم يتصنّع الحركة ولم يبالغ في الأداء. لقد كان داعماً للمواهب الفنية الجديدة ومن بينها الممثل محمد شمص الذي وقف إلى جانبه عند انطلاقه». يعرج عبد الساتر على مواقف الراحل السياسية: «لقد كان موقفه مع المقاومة ثابتاً ولم يتزحزح يوماً. كان قومياً سورياً عريقاً. يعرف القرى اللبنانية كلّها من شمالها إلى جنوبها وبقاعها. كان بارعاً باللهجة الفلسطينية، وتلوّن بالأدوار التي لعبها، ولم يلبس كاراكتيراً واحداً. تلوّنه كان في الأداء وليس بالأدوات».