يردّد بعض نجوم الدراما السورية كلام أحد المسؤولين في mbc عن أن الدراما لن تكون مجانية بعد اليوم. سيضطر المشاهد لاحقاً للاشتراك في إحدى المنصّات ليتابع ما يريده من مسلسلات. الحديث ربما يكون خطة عمل فعلية لدى الشبكة السعودية التي بدأت تعويم منصّتها «شاهد» المالكة الحصرية لبث مئات المسلسلات العربية على الإنترنت. كما أنّ منطق سوق العمل يتجّه نحو المسلسلات القصيرة وتقديمها عبر منصّات درامية باتت تشكّل سوق عرض منافساً بجدارة للفضائيات. هكذا، تسود نظرة بأن التلفزيون في سنينه الأخيرة في ما يخّص الدراما تحديداً، بينما يقف آخرون عند فكرة أن الدراما الثلاثينية وموسم العرض الرمضاني، طقس مكّرس لا يمكن الاستغناء عنه، ولو تراجع الاهتمام به للدرجة الثانية بعد تسيّد Mini series المشهد عموماً.
أيمن زيدان

«الأخبار» اختارت أن تجول على مجموعة من العاملين في الدراما السورية من أصحاب الخبرة، وتطرح أسئلة حول التوجّه السائد لدى رأسمال الذي يتحّكم بالدراما، إن كان سيتمسّك بالمواسم الرمضانية، أم سيولي الأهمية للمسلسلات القصيرة التي تُعرض خارج شهر الصوم وتفوز بها المنصّات الإلكترونية أوّلاً. البداية كانت مع النجم المخضرم أيمن زيدان الذي يقول: «لم تكن الدراما العربية تقف عند حيّز المسلسل الثلاثيني إطلاقاً من قبل. منذ الثمانينات، أي قبل أن ينطلق هذا العالم الفضائي الشاسع، كانت الدراما تقدم حكاياتها بعدد حلقات لا يتجاوز في أغلب الأحيان ١٣، وكانت السباعيات التلفزيونية والسهرات ذات الحلقة الواحدة حاضرة بكثافة أيضاً. إذاً، فكرة الأعمال الثلاثينة ليست خيار القائمين على الإنتاج، والممثّلين، إنما هي خلاصة توجّه السوق الإعلانية بعد انتشار القنوات الفضائية، باعتبار أن رمضان هو الشهر الأكثر متابعة بطبيعته، تحوّل المسلسل إلى صديق للعائلة العربية خلاله. بالتالي صار فرصة للشركات الإعلانية الكبرى لتعلن عن منتجاتها عبر ثلاثين يوماً». ويضيف: «هذا المبدأ في الأصل هو فكرة اقتصادية إعلانية، وليس قرار المبدعين. بل إن العاملين في الحقل التلفزيوني من فنانين وشركات، وجدوا أنفسهم شبه ملزمين بهذا العدد من الحلقات وهو أثقل كاهلاً. حتى من تجاربنا الشخصية، وجدنا أنفسنا في سوية عالية من الجرأة في شركة «الشام الدولية» عندما صنعنا «أخوة التراب» بعدد حلقات لا يتجاوز الـ ٢٦، و «تل الرماد» لم يتخطّ الـ ٢٢ حلقة. كنا وقتها نملك جرأة واضحة إلى درجة أننا أحياناً نحس أنَّ الجرعة المقدّمة أصبحت كافية، ولا مجال للاستطرادات الزائدة. في أغلب الأحيان، دخلنا هذه المغامرة وواجهنا بعض الصعوبات التسويقية من أجل هذا الأمر، لكن كنّا نحل المشكلة بالقيمة الفنية للمشروع، كي لا نحمّل الفنانين وشركات الإنتاج التي تعمل في هذا المجال وِزراً. أعتقد أنها ذهنية محطات مع مؤسسات إعلانية كبيرة».
اعتبر غسان مسعود أنّ التقيّد بالمنصّات، وإلغاء المسلسلات الرمضانية والثلاثينية يحوّلان الفن إلى «بزنس»


في سياق متصل، يوازن نجم «نهاية رجل شجاع» بين خبرته في السنين الماضية، وبين متطلبات الزمن الحالي. يقول: «منطق الحياة يشي أن هناك تطوراً ما، والعالم الافتراضي سيزيح التلفزيون من مكانه ليحلّ مكانه. لكن أعتقد أنّ هذا تصوّر وردي وتحليل غير واقعي لطبيعة المجتمع العربي! إذ لا بدّ من إجراء دراسة علمية لندرك: كم هي نسبة المعرفة لعالم الإنترنت في المجتمع العربي؟ ثم بعد هذه الإحصائية، نستطيع أن نحدد زمن انزياح التلفزيون لصالح الإنترنت. شخصياً، أرى أن المنطق يقول: سينتصر الإنترنت وعالم المنصات حتماً، لكن زمن تحقيق هذا الانتصار يختلف بين المجتمعات حسب تطورها التقني والمعرفي. بعد هذه الدراسة، يمكن تحديد متى سيكون لهذه المنصات النصر، كي لا نكون متفائلين ونختزل المجتمعات العربية بالمحيط الذي يشبهنا، ونكتشف لاحقاً أننا لا نشكل سوى نسبة متواضعة من حقيقة الأمر، وواقع علاقة الإنسان العربي ومؤسساته بالعالم الحضاري». وعما إذا كان الموسم الرمضاني سيصمد أم أنه آيل للتلاشي، يجيب مخرج فيلم «أمينة»: «كُنّا ندعو منذ زمن طويل إلى صناعة مجموعة مواسم كي نتحرّر من حمى الموسم الأوحد، لكن لا بدّ من أنّ هناك تقصيراً في دراسة الجانب الآخر من المشكلة، لمعرفة من هو جمهور التلفزيون، ومن هي الشريحة الأغلب التي تتابع التلفزيون. ما هو مستوى الثقافة الرقمية في المجتمعات العمرية التي تشكّل الشريحة الأكبر في متابعة التلفزيون؟ إذاً، التقصير نابع من دراسة الشريك الآخر في المشروع، وهي شرائح الجمهور. لا بد من دراسة سوسيولوجية لواقع شرائح المشاهدين في تعاطيها مع مسألتين: أولاً علاقتها بالتلفزيون والمسلسلات، وثانياً ثقافتها الرقمية ومساحة هذه الثقافة وحقيقة وجودها ونسبتها. هذه الدراسات يمكن أن تضيء الدرب للعاملين في حقل الإنتاج، والوصول إلى إجابات شبه دقيقة، طبعاً بغضّ النظر عن الاستبيانات التي تحصل على الفايسبوك، لأن هذا مرتبط بتقييمنا للثقافة الرقمية وعدد الناس الذين يملكون هذه الثقافة، كي لا نطلق أحكاماً مطلقة».
من ناحيته، يرفض النجم غسان مسعود الخوض في هذا الجانب، قائلاً: «لا أوافق على التقيّد بالمنصّات، وإلغاء أهمية المسلسلات الرمضانية والثلاثينية، لأن هذا الشيء يندرج في جزء كبير منه ضمن حالة توجيه الفن لأن يكون مجرّد «بزنس». يعني أن الفقير لا يستطيع الاشتراك والمتابعة مثلاً! الفن والثقافة هما خدمة اجتماعية لكل الناس... هذا ليس رأياً إنما تبريراً لعدم إبداء الرأي»! وفي الانتقال لجيل مختلف من المخرجين الشباب الذين يطّلعون على أبرز وأهم ما أنتجته الدراما التلفزيونية بمنطقها المكثّف الذي يقدّم الحكاية كلها بحلقات لا تتجاوز 13، نسأل المخرج فادي وفائي، فيجيب: «سوق العرض في حالة تغيّر، لكن لن تنبذ المسلسلات الرمضانية، ربمّا سيقتصر حضورها على المحطات الرسمية. أما المنتج الخاص، فلم يعُد يتبناها. لكن في بلادنا كما العادة، لا نتخلى عن شيء. ما زال هناك من يستمع للإذاعة مثلاً، وهناك من يذهب ليمثّل في الإذاعة! أما على صعيد المشاهدة، فيمكن التكهّن بكثير من الثقة بأن الجمهور صار يتمتع بنفاد صبر نتيجة شكل الحياة وزمن 140 حرفاً أي حجم التغريدة على تويتر مثلاً! لذا يعتقد كثير من المتابعين لشأن الدراما، بأن المسلسل الثلاثيني تراجعت نسبة متابعته بشكل ما، ومسألة إنجاز مسلس بثلاثين حلقة مسألة في غاية الصعوبة معرّضة للكثير من الأخطاء والهفوات، إضافة إلى فكرة ربط فريق عمل كبير على مدار نصف عام. والاستمرار في الاعتكاف عند هذه النوعية من الأعمال أمر مرهق، كما أن موضوع أن تشوّق المشاهد على مدار ثلاثين حلقة، لينتظر من حلقة إلى أخرى أمر بمنتهى الصعوبة، وإمكانية حدوثه نادرة نسبياً! لكن أن تصنع حكايتك في ٨ حلقات Mini series ربما تستطيع أن تروي فيه النص، من دون أي إطالات، لكي تحصد اهتمام وإعجاب جمهورك».
أما فني الغرافيك والتلوين ومدير شركة RGB للعمليات الفنية، حسام الحمد فيقول: «قراءتي لهذا الأمر تبدأ منذ البداية أي عندما بدأت تظهر ملامح دخول شبكة «نتفليكس» المنطقة العربية ومحاولاتها الإنتاجية في الأردن في مسلسل «جن». وقتها، استشعرت mbc studio الخطر، كونها اعتادت أن تكون رائدة في الإنتاج، والمنبر الأول في تلقّف المشاهد خصوصاً في شهر رمضان. هكذا، كانت الخطّة حاضرة من خلال الاستعانة بمدير إنتاج أهم الاستديوهات على مستوى العالم، تسلّم مهامه في mbc وعمل على خطة لخمس سنوات من الإنتاج المكثف لصالح منصة «شاهد» وأصبح التوجّه لإصدار منصة عربية متماسكة. كل المسلسلات التي تُعرض على التلفزيون، تعرض قبل يوم على هذه المنصة، وهذه أوّل سنة تحاول من خلالها mbc تعويم «شاهد» بإنتاجاتها. من وجهة نظري، لن ينتهِي السوق الرمضاني، لكنه سينحسر غالباً، لأن طقوس الصيام حوّلت هذا الشهر إلى موسم فعلي. لذا سيظلّ توقيته ذهبياً بالنسبة للمنتج، والمعلن وسيتواصل الاستثمار فيه. لكن سيصبح في المرتبة الثانية لتتصدر المنصات والحلقات المنفصلة المشهد»!