سنتناول بعض أغاني الأفراح في الأعراس الفلسطينية، خصوصاً أغاني السحجة، أو كما تسمى في مناطق أخرى، أغاني السامر. السحجة الفلسطينية، تراث فلسطيني ريفيّ قديم، يُقام في الأعراس، للتعبير عن الفرح والتكاتف والتعاضد، حيث يقف الرجال في صفين متقابلين، كل صف يقف متلاصق الأكتاف، ما يشير إلى تكاتف أبناء المجتمع. يبدأ أحد الصفين بترديد بيت من الشعر باللهجة العامية، ليعيد الصف المقابل البيت نفسه من الشعر، ويعود الصف الأول إلى ترديده. وهكذا يردّد البيت الواحد مرتين من كل صف، ليتم الانتقال إلى بيت آخر، وهكذا حتى انتهاء هذه الفقرة من السهرة.تختلف الحركة الإيقاعية للجسم من منطقة إلى أخرى، ففي غالبية الريف الفلسطيني، يتم ترديد بيت الشعر، والجسم منتصب والذراعان متشابكتان على الصدر. ومع انتهاء ترديد البيت، تقوم اليدان بالتصفيق (سحجة)، مترافقاً مع حركة هزّ الرأس يمنة ويسرة بطريقة طربية، وإمالة الجسم إلى الخلف وإلى الأمام، بالترافق مع حركة الساقين المتناغمة مع حركة الجسم.
ولا يوجد ترابط منطقيّ أو تسلسل معيّن في ترديد الأبيات الشعرية، إذ تعتمد في الغالب على ما تجود به الذاكرة، ويمكن أن تختلف المعاني من بيت إلى آخر، ولكنها في الغالب الأعم تتناول مواضيع الحبّ والعشق، الصبر على النوائب والمصائب، الإشادة بالحبيب أو معاتبته، الترحيب بالضيوف والزوار من خارج القرية.
ففي معاتبة الحبيب لقلة سؤاله، يقول بيت الشعر: «يا شجرة الحور باب الدار تتمايل/ واشرفت ع الموت ما اجا صاحبي سايل» (سايل أي سأل). وفي هذا عتب على الحبيب لعدم سؤاله لفترة طويلة، وهو ما ينطبق على الجنسين. أما في الصبر على العذاب وتحمّل المصائب، فيأتي على النحو التالي: «صبرت صبر الخشب تحت المناشيرِ/ وش صبرك يا خشب غير التقاديرِ» (التقادير= الأقدار). في هذا ما يشير إلى قسوة حياة الناس في الريف، وتحمّلهم وصبرهم على النوائب، ومعاناتهم في حياتهم اليومية، وتسليم أمورهم للقدر.
في عتاب القلب عندما ينبض لمن لا يستحقون، والرغبة في الفكاك من هذه الحالة (عشق من لا يستحق)، وعقاب للنفس على «فعلتها»، يقول: «يا قلب لني بطولك لقطعك وارميك/ واعلقك في الهوا واعمل خلاصي فيك». أما في التمييز بين من يحبك فيأتي لرؤيتك وبين من يختلق الأعذار لعدم المجيء، وفيه عتاب مبطن للصديق والحبيب، فيقال: «والي يحبك يجيلك ع القدم ماشي/ والي ما يحبك يقولك ماعلمناشي». وفي التدليل على المحبة وتجشّم عناء القدوم إلى ديار الحبيب في سبيل ذلك، أو في وصف حالة الوفاء بين الأصدقاء: «لولا المحبة على لقدام ما جينا/ ولا دهسنا أراضيكم برجلينا» (لقدام= الأقدام).
عندما تسوء الحالة العاطفية والمعيشية للناس، يراودهم الحنين إلى أيام جميلة مضت، خصوصاً تلك التي كان فيها «البال هادي»، ففي الحنين إلى الماضي الجميل، وعودة البهجة المفقودة، خصوصاً عندما تخلو الديار من الأحباب بسبب الفقد أو السفر، فيقال: «يا دار يا دار وان عدنا كما كنّا/ لطليكِ يا دار بعد الشيد بالحنّا».
عادة ما زالت مستمرّة في أماكن كثيرة من الريف الفلسطيني


ويُفهم من هذا القول، أن الحال لن يعود إلى ما كان عليه، ويعبّر عن اليأس من عودة من غابوا.
وفي الغزل والإعلاء من شأن الحبيب، إلى حدّ أن كلّ من يعرفه أو حتى سمع رنة وقوع خاتمه في البئر سيحظى بالجنة، فيقال: «خاتم صحيبي وقع في البير الو رنَة/ يا من سمع رنَته مبعوث للجنة».
وفي بعض الأحيان، يتم «تصفيط» الكلام ليتناسب والقافية من دون معنى محدد كما في البيت التالي: «مسيك بالخير يلي جاي هالساعة/ خصرك رقيّق وفيدك خاتم الطاعة». ففي الشطر الأول من البيت، تحية لمن أتى زائراً في المساء. أما الشطر الثاني، فهو ليس أكثر من حشو كلام، ليتناسب مع الوزن والقافية من دون معنى مفيد. هذه بعض الأغاني والأشعار التي تتردّد في الأعراس، وهي عادة ما زالت مستمرّة في الكثير من مواقع الريف الفلسطيني، ولكنها في تناقص مستمر، بعدما دخلت عادات جديدة، منها الفرق الموسيقية، سواء كانت في ساحات مكشوفة في الهواء الطلق، أو في قاعات مغلقة، أو يلجأ بعضهم إلى ما يسمى D.J لإذاعة أغاني المذياع والموسيقى الراقصة والدحيّة، والأخيرة تُعتبر من تراث المجتمعات البدوية والصحراوية.

* كاتب فلسطيني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا