أَصدر «مركز التراث اللبناني» في «الجامعة اللبنانية الأَميركية ــ LAU» العدد الثاني عشر (ربيع ــــ صيف 2020) من مجلّته نصف السنوية «مرايا التراث» الذي ضمّ أَبحاثاً ودراساتٍ من التراث الثقافي والتربوي والأَدبي والمهجري. تحت عنوان «من الضباب إِلى إِرادة النهوض: كي نستحقَّ لبنان»، كتَب رئيس التحرير ومدير المركز الشاعر هنري زغيب: «إِنه قدَرُ لبنان الذي يتفرَّد منذ فجر التاريخ بما لا يشبه سواه ولا يشبهه أَيٌّ سواه (...) قدَرُه أَن يقاوم، وقدَرُنا فيه، نحن أَبناءَه، أَن نُقاوم بالكلمة، بالفكر، بالعلْم، بالحضارة، وخصوصاً بالإِرث العظيم الذي بلَغَنا من آبائنا المؤَسسين، وواجبُنا المحافظة عليه. ليس المهمُّ حفْظَ الإِرث كما بلَغَنا، بل الحفاظُ عليه بنشْره وتعميمه قلْباً وقوالبَ أَيّاً تكُن أَشكاله ومعالمه».

ضمّ باب «التراث الثقافي» بحثين، أَوَّلُهما عن «بيروتُ المحروسة في العهد العثماني ـــ أَوقافُ المسلمين والمسيحيين عناصرُ نُهوضٍ بالمجتمع اللبناني» للباحث حسّان حلَّاق الذي رأَى أَن «انتشارَ المسيحية والإِسلام في بيروت رافقَه انتشارُ ثقافة الخير والعطاء الدائم في ما عُرف بـــ«الوقف». وكان لهذه الأَوقاف دورٌ مُهمّ في تنمية المجتَمَعَين المسيحي والإِسلامي بل النهوض بلبنان. البحثُ الآخَر حمل عنوان «لبنان في كتُب الدليل القديمة، لؤلؤة سياحة واصطياف على صدر المتوسط» للباحث الجامعي وسام اللحَّام. جال الأخير على المنشُورات الترويجية السياحية منذ العهد العثماني، مروراً بمطلع القرن العشرين، ففترة الانتداب، وصولاً إِلى مرحلة الاستقلال حين تطوَّر الترويج السياحي من المنشورات المطبوعة إِلى القطاع السينمائي. والإِضاءَة اليوم على تلك المنشورات تشير إِلى أَنها، «في تراثنا اللبناني، ثروة لتاريخنا الاجتماعي لأَن فيها حقائقَ تُعيد تكوين حقيقة الحياة الاجتماعية لمختلف فئات الشعب اللبناني في تلك الحقَب المتتالية».
أما باب «التراث التربوي والاجتماعي»، فاشتمل على بحثَين أيضاً: أَوَّلُهما «بشمزين واحة تربوية رائدة في لبنان ــ تراثٌ تربويٌّ عُمرُهُ 170 سنة (1850 – 2020)» قرأَ فيه الباحث ميشال جحا كتاب شفيق جحا «تاريخ التعليم والمدارس في بشمزِّين 1850-1951»، منذ منتصف القرن التاسع عشر، حين بدأ التعليم في بلدة بشمزِّين فرديّاً بأَن تولَّى مُدرِّسٌ أَو مُدرِّسة تدريس مبادئ القراءة والحساب لعدد محدود من التلامذة. ومع انتشار المدارس الإِرسالية، استجاب المرسَلون الأَميركيون لطلب أَهل بشمزِّين ففتحوا في بيت جرجس سركيس مدرسة بروتستانتية للذكور (خريف 1879) كانت أَولَ مدرسة نظامية حديثة ومطلعَ التعليم النظامي في البلدة.
البحث الآخر في هذا الباب هو «الأَسواقُ القديمة ذاكرةُ بيروت وهي تنهض إِلى الحياة» للباحث عبد اللطيف الفاخوري الذي عاد إِلى تلك الأَسواق منذ الربع الأَخير من القرن التاسع عشر، حين أَخذت تتحوَّل من الأَزقَّة إِلى الشوارع بما فيها من أَسماء وسِلَع، وأَخذت تظهر بأَسمائها: سوق السيّد، سوق أَياس، السوق الجميل، سوق الزجاج (بيهم وعيتاني)، السوق الطويلة (ساعات، مجوهرات، وأَقراص «زهرة الجمال»)، سوق سيور (ساعات معلَّقة على سترة الصدرية)، سوق الصاغة (رعد وهاني)، سوق العطارين، سوق سرسق وتويني (أَو سوق النزهة....).
في القسم الأَجنبي من العدد، نُشر بحثان: الأول فرنسيّ بقلم ليليان بوتشيانتي بركات عن «الوطن الحلم في لوحات ورسوم جبران خليل جبران»، جالت فيه على المعاني والمغازي والرموز من ريشة جبران، وما فيها من حنينه الدائم إِلى وطن الأَرز. البحث الآخر إِنكليزيّ لليندا جاكوبس (أَميركية من جذور لبنانية) عن «الفترة التي سبقت ظُهور الرابطة القلمية ومهَّدت لوصول أَعضائِها إِلى تأْسيسها»، بدءاً من جريدة «كوكب أَميركا» لنجيب عربيلي (1892)، فــ«الهدى» لنعوم مكرزل (1898) وما تلاهما حتى 1920، سنة ولادة الصيغة الثانية لـ«الرابطة القلمية» سنة 1920 بعد صيغتها الأولى سنة 1916.
جال وسام اللحَّام على المنشُورات الترويجية السياحية منذ العهد العثماني وصولاً إِلى مرحلة الاستقلال


أَما ملف هذا العدد، فحوى الحلقتين الأَخيرتين من أَبحاثٍ عن «دولة لبنان الكبير» كانت «مرايا التراث» أَول من أَطلق أَنشطة مئويتها في لبنان في عددها الخاص في الأَول من أَيلول (سبتمبر) 2019. البحث الأَول هو «حدود دولة لبنان الكبير: خَلْفيات وخِلافات» للمؤَرِّخ مسعود ضاهر، درسَ فيه ولادة المطالبة بالعودة إِلى حدود لبنان الطبيعية/التاريخية، وأَسباب مطالبة القوى اللبنانية بحدود لبنان التاريخية، والصراع اللبناني الصهيوني بين الانتدابَين الفرنسي والبريطاني، ثم ترسيم حدود لبنان وفْق توسيع نفوذ فرنسا في بلاد الشام، وما كان من غضب الحركة الصهيونية على ترسيم حدود لبنان الكبير، وحالة لبنان طوال 100 عام من سجالات مستمرة حول ترسيم الحدود. البحث الآخر هو دور حزب «الاتحاد اللبناني» في إِعلان «دولة لبنان الكبير»، وما جرى بين أَيلول قصر الصنوبر سنة 1920 وأَيلول الديمان سنة 1921، للدكتور برجيس فارس الجميِّل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا