في صناعة السينما، حين يقال بأن للفيلم «سيناريو أصلياً»، فهذا يعني أنّه لم تتمّ إعادة كتابته ولا يستند إلى موادّ منشورة مسبقاً مثل كتاب أو مقالة أو قصيدة. ولكن في حالة فيلم «أن تكون جون مالكوفيتش» (1999)، فالسيناريو الأصلي يعني حرفياً «لم تروا شيئاً كهذا من قبل!». بسهولة، يمكن القول بأن تشارلي كوفمان أحدث ثورة في فنّ كتابة السيناريو، إذ يندر أن تنجح موضوعات معينة بالطريقة التي قدمها الفيلم في الوصول إلى سينما هوليوود الرائجة. الخطوة المشتركة الأولى على الشاشة الكبيرة بين المخرج سبايك جونز والكاتب تشارلي كوفمان، تُعتبر ظهوراً سينمائياً من كوكب آخر، أو من منظور مختلف تماماً، وأفضل وصف له هو مزيج من الاثنين.

تحدّى كوفمان وجونز في هذه الكوميديا التراجيدية الغريبة والسوريالية، التصنيفات الشائعة للأفلام والسيناريوهات. نجح كوفمان أكثر لأنّ الحديث عن سيناريو الفيلم كان أكبر من الحديث عن الظهور الأول لسبايك جونز كمخرج سينمائي. بين الدهشة، والضحك، والإثارة الجنسية، والرومانسية، والمأساة، والكآبة، والمفارقة الساخرة والحادة للذات... «أن تكون جون مالكوفيتش» فيلم من نوع خاص جداً، حقّق فيه الثنائي كوفمان/ جونز بداية قوية جداً، وتمكّنا من الحفاظ على المستوى نفسه إلى الآن، خصوصاً كوفمان في فيلمه الأخير «أفكر في إنهاء الأمور» المتوافر أيضاً على نتفليكس.
كريغ شوارتز (جون كوساك) محرّك دمى شغوف، لكن هذا الفن الرفيع المتمثل في جعل الدمى الخشبية تتحرك وترقص من خلال أوتار معلقة بالأصابع، لا تُكسب المال. لهذا تحثّه زوجته لوت (كاميرون دياز) على البحث عن وظيفة «حقيقية». بالفعل، وجد كريغ وظيفة في مكتب، يقع في الطابق السابع والنصف من مبنى شاهق في نيويورك. للوصول إلى المكتب، يجب ضغط زر الطوارئ في المصعد بعد الطابق السابع بقليل، وفتح الباب يدوياً. في أحد الأيام في مكتبه، اكتشف كريغ باباً صغيراً في الحائط خلف خزائن الملفات. هذا الباب يتيح الوصول المباشر إلى داخل رأس جون مالكوفيتش!
حكاية ذكية عن الهروب من الواقع، عن الإحباط وعدم الرضى عن النفس


فانتازيا مجنونة وسخيفة بشكل خيالي، قدّم فيها الفريق المتجانس حكاية ذكية عن الهروب من الواقع، عن الإحباط، وعدم الرضى عن النفس وعن الوعي كما يصفه كريغ «الوعي لعنة. أفكر، أشعر، أعاني». يعمل الفيلم كمطحنة للنفس والشخصية العالقة، الخالية من الأفق والغارقة في المُثل العليا الذابلة، والمنغمسة في الفوضى اليومية الحزينة التي يعيشها المرء فقط بسبب نقص البدائل والافتقار إلى الدافع... حتى يتم فتح الباب من العدم إلى حياة جديدة، إلى وجود مختلف تماماً. أمر مدهش ما خطّط له المبتدئان في السينما لهذا الفيلم. «أن تكون جون مالكوفتيش» تمّ بناؤه بالكثير من السخرية الذاتية، مع نغمات فلسفية من دون أن يصبح جاداً جداً أو يأخذ نفسه على محمل الجد. يتم تقديم الفيلم بسهولة، ولهذا هو ممتع للغاية. لا يربك المشاهد، بل يثير الكثير من المرح بطرح موضوعات عميقة بذكاء شديد.


* Being John Malkovich على نتفليكس

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا