ما قد لا يعرفه عمرو واكد هو أن «المرأة الخارقة» ليس مجرّد اسم يمرّ في فيلم، بل صناعة «أسطورة» لكائن بهويات متعدّدة. ليس صدفةً أن تكون إحداها أن «ديانا» إسرائيلية. قد يعلّق «مفعوط» بالكولونيالية وبسينما البِيض المتكبرة والمقزّزة أن هذه القراءة هي قراءة لا تستطيع التعامل مع غال غادوت كفنانة عادية خارج جنسيتها. لكن هل تفعل غال غادوت ذلك بنفسها؟ فهي كانت «امرأة خارقة» أيضاً عندما خدمت في جيش الاحتلال الإسرائيلي. لا نعرف إن أطلقت النار على عين مصوّر فلسطيني في الخليل، أو قتلت طفلاً في العيساوية، أو ضربت امرأة فلسطينية بكعب بندقيتها على المعبر، أو شاركت في اقتحام أحد شوارع رام الله. ما نعرفه أنها يمكن أن تكون كلّ ذلك، فهي خارقة مثل دولتها والصورة التي يقدّمها جيشها عن نفسه. وهذا هو الفارق بينها وبين ناتالي بورتمان. بعد جهد، اكتشفت بورتمان أنها أقرب إلى «جاكي» كينيدي، من صورة الأم المستعمرة في شريط سبيلبرغ الدعائي والتسطيحي «ميونخ». ولكن هل ينفع اعتذارها، وهل لدى «جاكي» رأي آخر عن الاستعمار والاحتلال في فلسطين؟ ما ينفع هو أنها ليست «خارقة»، بل غادوت هي التي أدّت «واجباتها» في دولة احتلال وخدمت في جيش احتلال، يمكنها أن تكون نسخة خارقة للمرأة الإسرائيلية. يمكن أن تكون المرأة الإسرائيلية هي «المرأة الخارقة»، فتسجّل إنجازاً دعائياً في السينما، ضدّ النجاحات الفلسطينية والعربية أخيراً.
هل يعرف عمرو واكد أنّ الطلب على هويته العربية، وليس على موهبته؟


خدمت غال غادوت في جيش الاحتلال

هل يهمّ عمرو واكد كلّ هذا النقاش فعلاً؟ ما يقوله واكد في تغريداته، أن التطبيع بالنسبة إليه حرفياً هو: «العمل في أي شيء يبجّل الاحتلال أو في شيء من إنتاج الاحتلال. المتاجرة معهم. تسهيل الاحتلال أو التستّر على جرائمه. والعمل على تقزيم وتسفيه القضية. كلّ ذلك ممكن أن يعد تطبيعاً، أمّا التمثيل في عمل دولي متعدّد الجنسيات ففي رأيي ليس تطبيعاً».
هل يعتقد أن الفنان يمكنه أن يبتذل بعض العبارات عن «تعدّد الجنسيات» لكي ينجو بفعلته من المشاركة في صناعة «أسطورة» إسرائيلية؟ هل يعتقد أن هذا الذي يتحدّث عنه هو «عمل فني» فعلاً أم أنه يملك تلفزيوناً في منزله، ويعرف أن هذه الأفلام هي منتجات، وأن السوق «عرض وطلب»، وأن الطلب على هويته العربية، وليس على موهبته. يجب أن يستيقظ. غال غادوت ليست «امرأة خارقة»، بل دولة تريد أن تقول إنها «خارقة». حضوره المعنوي والسيميائي، سيكون بمثابة الموافقة والتصديق. سيقول كثيرون إن دوره في أفلام سابقة يشفع له. في دوره في «أصحاب ولا بزنس» كان مضحّياً، لكن يبدو أن التضحية تقتصر على أدواره السينمائية، ولا يستطيع أن يرفض في الواقع ويضحّي برفض دور في فيلم سينتشر مثل الكوكا الكولا.
سيحمل اسم الجزء الثاني، حسب واكد نفسه عنوان «المرأة الخارقة 1984». وهذا التاريخ، يعني قبل الانتفاضة الفلسطينية بسنوات، وبعد اجتياح بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا بسنتين. القوات الإسرائيلية خارقة أيضاً. لكن غال غادوت لن تصبح «خارقة» إلّا داخل الفيلم، وتبقى هيمنة الاحتلال في سياقها الطبيعي، ضمن سياقات الهيمنة الأخرى. لن تصير رمزاً نسوياً، إلّا في بُعد رأسمالي، لم يعد ينطلي على أحد، إلّا على الذي يعتقد أنّ بإمكانه الفصل بين الفن والقضايا العادلة. لا يمكن التصديق أن ثمة من يصدق أنّ غال غادوت مجرّد بطلة سينمائية، وأنّها ليست محاولة دعائية. فالدور نفسه ليس دوراً عادياً، إنه مثل دور صديق «العرّاب»، الدور الذي يؤسطر صاحبته. والسينما ليست بعيدة عن المافيا.
من الناحية الأخلاقية، نسوية «ديانا» أو «المرأة الخارقة» بلا أيّ معنى بالصورة التي يقدّمها الفيلم. لقد تمّ تسويق الفيلم على أنّه فيلم يُدخل المرأة إلى عالم الرجال. وهذا الجانب النسوي بحاجة إلى نقاش منفصل، عن حضور المرأة في الحيز الذي اعتاد الذكور السيطرة عليه، وإن كان حضورها بالصورة التي تحضر فيها غادوت يخدم الهيمنة الذكورية ويعزّزها. في الأصل، ظهرت «المرأة الخارقة» في الكوميكس واستطاعت البقاء إلى جانب «الرجلين» الخارقين، «سوبرمان» و«باتمان»، على قيد الحياة، لمحاربة ما يصوّره الباراديغم الليبرالي المهيمن على العالم: «الأشرار»، أو من يتمثّل بهؤلاء الأشرار. للمرأة الخارقة وظيفة «نسوية» في العقل النسوي الليبرالي الأبيض، لكن مثل «سوبرمان» و«باتمان» لديها وظيفة في الحقيقة ضمن السيستم، تقضي بتكريس كل عوامل وظروف الطرف المهيمن ودعايته، وخلق أخيار ضد أشرار. ليس صحيحاً أن الفكرة الليبرالية عن «المرأة الخارقة» صحيحة. فهي ظهرت بعد «سوبرمان» بثلاثة أعوام وبعد «باتمان» بعامين فقط. ظهرت أيام الحرب العالمية الثانية، في السنة الثالثة للحرب. ما يميّزها اليوم، أنها حسب مخيّلة صانعها، صورة سينمائية عن يهوديت التاريخية. وهي عديمة الرحمة في حربها على الحرب، مثل الصورة التي تريدها إسرائيل عن نفسها تماماً.
حسب مخيّلة صانعها، هي صورة سينمائية عن يهوديت التاريخية

وهي تمتاز بما يمتاز به الأبطال الخارقون في أفلامهم: القوة، الحنكة، والكاريزما. إنها صورة إسرائيل القوية التي تعيش بين «مجموعة» وحوش لا يشبعون من الحرب وهم العرب. غال غادوت للدور هذا تحديداً، هو استعارة المرأة كرمز للضعف، وتحويلها إلى مصدر قوة، ولا شيء يمكن أن يكون أكثر ذكورية، مثلما أن لا نموذج للهيمنة أوضح من الاحتلال في العالم.
كان ممتعاً لكثيرين رؤية المرأة تردّ الصاع. تدخل ميادين ممنوعة على النساء، أي تدخل ميدان القتال. تكسر الصورة النمطية عن المرأة «الزهرمانة» والمكسورة وما إلى ذلك. لكن لم يكن صدفة التذكير دائماً بأنها إسرائيلية. نحن أمام صناعة بطلة، مثل الأبطال الآخرين. ومن يصنع بطلاً ينتظر منه «الخلاص». داخل الفيلم تؤدّي غال غادوت واجباتها كمخلّصة، ونزع صورة العنف عنها، لا يلغي صورتها كمخلّصة أيضاً من ضمن التصور التوراتي للمخلّص. هناك تصوّر عالمي تقدّمه المرأة الخارقة، لكنه ليس متنصّلاً تماماً من التصوّر الأميركي للمرأة كسلعة، فالفيلم بأسره سلعة. وهي بهذا المعنى ليست امرأة، بل سلعة خالصة. وهذه ليست سينما، بل آن الأوان للتعامل معها كمشاريع رأسمالية للدعاية والكسب. وخارج الفيلم، هناك محاولة لأن تؤدّي غال غادوت دورها كبطلة في السياق ذاته، كأداة في حرب الإسرائيليين على السينما العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً. ما لا يعرفه واكد أن دوره الرئيسي ليس داخل الفيلم، إنما خارجه تماماً.