كانت خوري تعمل على هذا النص خلال سنوات عيشها في بيروت، وحاولت جاهدة تقديم العمل في العاصمة اللبنانية. كان يفترض أن تقدمه مخرجة لبنانية بدعم من المعهد الفرنسي في لبنان الذي أبدى اهتماماً بالنص، لكن لسبب ما فقدت تلك المخرجة حماسها للعرض وانسحبت أو ربما ترددت لحسابات شخصية. في حديثها إلى «الأخبار»، تبيّن خوري: «لا أعرف السبب بالضبط، لكن أعتقد أن المخرجة تراجعت لأن هناك جزءاً من النص يتناول الأمن في لبنان، فإحدى الشخصيات جزائرية أتت إلى لبنان وتعرضت للاعتقال والإساءة». وربما لهذا السبب أيضاً «لا يمكن للعرض أن يقدم في لبنان حتى مستقبلاً»، تستدرك خوري.
حول تقديم العرض في أي مدينة عربية؛ تقول: «أسعى إلى تقديم طلب للعرض في مهرجان «شفتهن» (المهرجان الدولي للفن النسوي) في تونس، وليس هناك أي شي إلى الآن، فالعرض في مصر يبدو مستحيلاً، مع أن «معهد غوته» نظم مهرجاناً للفنون النسوية التي تتناول قضايا الجندر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لكن لم تتح لي فرصة تقديم العرض، رغم أن هذا المهرجان هو مكانه المناسب، وجرت دعوتي كضيفة لا كمشاركة». وتكمل: «الأمر جارح، لكن لا أحد يريد الصدام مع المؤسسات الأمنية في مصر، غير أنني أتساءل كيف يمكن الحديث عن الجندر في غياب الحديث عن الترانس جندر».
لكن هل الوصول إلى خشبة المسرح في ألمانيا أمر أقل تعقيداً من بلادنا فعلاً، لا سيما أن خوري انتقلت إلى العيش في ميونيخ في 2016؟ عن ذلك، توضح: «في ألمانيا كان صراعي من نوع مختلف، والدتي ألمانية، لكن لا يوجد من يعتبرني ألمانية تماماً، أصدقائي يتهكّمون أحياناً وينادونني «صديقتنا اللاجئة». كان لدي مشكلة أنني أجنبية ولست أجنبية، ومع الوقت اكتشفت أن الفرص التي تقدم للأجانب يذهب معظمها إلى السوريين، وصعبة لغير اللاجئين، ولا بد من أن يكون موضوع المسرحية عن الهجرة واللجوء والحرب. أكاد أن أقول إن هذا هو الشباك الوحيد المفتوح لغير الألمانيين. لست سورية ولم أصل إلى ألمانيا عبر البحر، لذلك لم أكن أملك الصفات المطلوبة لأحصل على دعم حقيقي لمسرحي، من يهتم للمتحولين جنسياً العرب؟ اكتشفت من التجربة أن لا أحد يهتم فعلاً؟ حاولت تقديمها لمسارح وناشرين، لأن العادة جرت أن الناشر يرسل النصوص الجديدة للمسارح المختلفة لكن بلا فائدة».
إحدى الشخصيات جزائرية أتت إلى لبنان وتعرضت للاعتقال والإساءة
قصة طويلة سبقت الحصول على إنتاج للمسرحية في النمسا، لم تخل من عنصرية العرق والجندر أيضاً، لكنها رحلة شاقة انتهت أخيراً بوصول النص إلى أول خشبة يعرض عليها. تمشي خوري في فيينا، وفجأة ترى ملصق مسرحيتها على واجهة محل. وبدلاً من أن تشعر بالسعادة، ينتابها الارتباك، هل كان لا بد من كل هذا الألم والحواجز من 2012 إلى اليوم لتتمكن هذه الحكاية من أن تحكى؟ تقول خوري: «منذ عشرين عاماً وأنا أحاول الوصول إلى هذه اللحظة، منذ أن بدأت حياتي تتعقد، في البداية مع عائلتي، حيث منعت من الاشتغال في المسرح، ثم سافرت. كنت أعمل نهاراً في كل مكان ذهبت إليه في الترجمة أو الصحافة، وأحاول الالتحاق ليلاً بالمسرح، كنت أتمحك تقريباً بالمسرح بأي شكل، لكي أظل بالقرب من الفن الذي أحبه وأشعر بانتمائي الفعلي إليه، فعلت ذلك في أميركا وفي بيروت وما زلت أفعل ذلك في كل مكان».
* «هي هو أنا»: حتى 16 آذار (مارس) ــ «مسرح كوزموس» (فيينا) ـ /kosmostheater.at