عشيّة الدورة الـ91 من جوائز «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» (AMPAS)، يبدو التخبّط سيّد الموقف. انخفاض أعداد المشاهدين العام الماضي إلى مستوى قياسيّ (26.5 مليوناً)، وعائدات الإعلان على شبكة ABC صاحبة حقوق البث الأساسيّة (128 مليون دولار هذه السنة، مقارنةً بـ149 عام 2018)، انعكس عشوائيةً، وأحياناً رعونةً، على سلوك الأكاديميّة، في سعيها لاستعادة البريق. الأوسكار درّة جوائز هوليوود. لا بدّ من إنقاذ المجد، وإعادة الأمور إلى نصابها. هكذا، بدأت سلسلة من القرارات المرتجلة وغير المدروسة كفايةً بالظهور تباعاً. إضافة أوسكار «أفضل فيلم جماهيري»، قبل التراجع لإجراء مزيد من الدراسات والنقاش. منح أربع جوائز خلال الفواصل الإعلانية، هي: التصوير والمونتاج والأفلام القصيرة والماكياج. أيضاً، تمّ إلغاء القرار الإهانة بحق مهن إبداعيّة مهمّة، إثر اعتراض أبرز أقطاب الصناعة عليه. أكثر من ذلك. أسماء مثل سيث ماكفارلن، وإيلين دي جينيريس، ونيل باتريك هاريس، وكريس روك، وجيمي كيميل، اعتذروا عن عدم تقديم الحفل، إثر انسحاب كيفين هارت، بسبب إساءات سابقة لمجتمع الميم. كان تفويت «شرف» كهذا يعدّ ضرباً من المستحيل في أدبيات هوليوود. النتيجة: الأوسكار بلا مقدّم للمرّة الأولى منذ 1989. الحل؟ الاستعانة بمجموعة من نجوم العيار الثقيل، مثل صامويل ل. جاكسون، وجنيفر لوبيز، وغاري أولدمان، ومايكل كيتون، وتشادويك بوسمان، وبري لارسون، وجايسون موموا، وهيلين ميرين... ولكن حتى هذا لم يسلم من العثرات. سرعان ما اتهمت الأكاديميّة بتخويف المشاهير، حتى لا يقدّموا جوائز في حفلات منافسة. كل ذلك يجعل من السهرة التي تكلّف 44 مليون دولار، وتبث في 225 دولة، عرضةً لمزيد من الانتكاسات. إذاً، هذه دورة الإنقاذ بمعنى الكلمة.
«روما» (10 ترشيحات، من بينها أفضل فيلم أجنبي) لألفونسو كوارون

في هوليوود، أحياناً يتم تداول العلم والمبادئ والاجتماع على سبيل الموضة والتريندنغ. قلعة الليبراليّة والغلامور باتت مولعة بحمّى الصواب السياسي، ومراعاة اعتبارات عرقيّة وجندريّة. حملات #OscarsSoWhite و #timesup و #metoo مقدّسة هذه الأيّام. يمكن أن تحلّ مكان القضاء والمحاكم. لها أن تنهي مسيرة ممثّل أو مستقبل مخرج جرّاء ادّعاءات غير مثبتة، حول سلوكيات مرفوضة بالتأكيد. أوسكارياً، يظهر ذلك في الترشيحات، وبنية الأكاديميّة نفسها. عام 2018 وحده شهد أكبر زيادة في عدد الأعضاء وأكثرها تنوّعاً. 928 اسماً من 59 بلداً، منهم 49% نساء، و38% ملوّنو البشرة. يبرز بينهم 17 رابحاً أوسكارياً سابقاً، و92 مرشّحاً. ربّما يأتي يوم لطرح الأسئلة الصعبة: هل التعامل مع الفن بهذه العقليّة يفضي إلى سينما رفيعة ونقيّة وأصيلة؟
نعود إلى تفاصيل الاحتفال. مسرح «دولبي» في هوليوود، يستعد لموسيقى البداية في الثالثة من فجر الاثنين 25 شباط (فبراير) بتوقيت بيروت (الخامسة من مساء 24 شباط/ فبراير بتوقيت لوس أنجلس، وهو الموعد الرسمي). في المنطقة العربيّة، الحدث منقول حصرياً على شبكة OSN المشفّرة للعام الخامس على التوالي. كالعادة، يكشف صاحب أوسكار أفضل ممثل العام الفائت غاري أولدمان عن الفائزة الجديدة. وبالعكس، تعلن أحدث مالكة لأوسكار أفضل ممثلة فرانسيس مكدورماند اسم «الفارس» الجديد. الأوسكارات التكريميّة من نصيب كل من الممثّلة الأميركيّة سيسيلي تايسون، والمؤلّف الموسيقيّ الأرجنتيني-الأميركي لالو شيفرن، والناشر الأميركيّ مارفن ليفي. الحفل من إخراج غلين ويس، وإنتاجه بالشراكة مع دونا جيجليوتي.
المنافسة كبيرة بين «روما» (10 ترشيحات، من بينها أفضل فيلم أجنبيّ أيضاً) لألفونسو كوارون، و«الكتاب الأخضر» (5 ترشيحات) لبيتر فاريلي. الأوّل من إنتاج «نيتفلكس». مدجّج بسجلّ نقديّ حافل، وقائمة جوائز منها البافتا ونقابة المخرجين الأميركيّة. تحفة بالأبيض والأسود، مصوّرة بخام 65 ملم، على يد كوارون نفسه. المعلّم المكسيكي يستعيد جزءاً من طفولته في حيّ «روما»، عائداً إلى مطلع السبعينات. يوميات عائلة أرستقراطيّة من منظور خادمة بسيطة، فيما تشهد البلاد احتقاناً متنامياً. لا شيء كبيراً يحصل. سينما من الصنف الفاخر منظوراً وتصويراً وأناقةً وتكويناً وأداءً. مؤهّل لكتابة التاريخ من أبواب عديدة في حال فوزه. أوّل شريط من إنتاج منصّة رقميّة ينال الأوسكار، وأوّل ناطق بلغة أجنبيّة ينتزع أوسكارات الأفلام الأميركيّة، منها أفضل فيلم. في المقابل، يصل «الكتاب الأخضر» بغولدن غلوب وجائزة نقابة المنتجين، من دون ترشيح لمخرجه. «فيلم طريق» يجمع شخصيتين متباعدتين: أسطورة البيانو دون شيرلي، وسائقه توني ليب. الأوّل أسود البشرة، صاحب ثقافة رفيعة. الثاني إيطاليّ الأصل، من أزقّة البرونكس. عنصريّ كاره للسود، وحتى الألمان والكوبيّين. حاجته إلى المال تجعله جزءاً من جولة موسيقيّة ممتدّة لثمانية أسابيع قبل الكريسماس. كليشيهات الجانر معروفة. من المتوقع أن يتعرّف كلّ منهما على الآخر، أن يتورّط به تدريجاً، وصولاً إلى تغيير نظرته الأولى. جودة الشريط في ذكاء كتابته الحاد، وانسيابه كالمصل في الوريد. المتوقع يبدو طازجاً رغم حدوثه. العنصريّة مرض متجاوز للأعراق. قد يزدهر بين أبيض وآخر، فقط لأنّه من جذور أخرى. بالمقابل، لا تميّز الرشوة بين أبيض وأسود، فلا عنصريّة في الفساد. يضاف إلى ذلك البراعة في تجسيد تفاصيل الحقبة والبيئة، ومناخ الجاز المفعم بالحسيّة.
سبايك لي أمام فرصة حفر اسمه كأوّل أسود يفتك أوسكار أفضل مخرج

الحصيلة مفاجأة سارّة من مخرج كوميديا، لم يعوّدنا مثل هذه الأعمال. نضال الأميركيّين من أصل أفريقيّ صار قضية أوسكاريّة بامتياز. لها الفضل في ترشيح Black Panther لريان كوغلر، كأوّل فيلم سوبرهيرو، رغم سويته المتوسطة. فوزه مستبعد، لكنّه نوع من التكريم النقديّ والإعلاميّ، إثر نجاحه التجاريّ الكبير. كذلك للقضيّة دور في وصول BlacKkKlansman (6 ترشيحات) لسبايك لي. السينمائي الأميركي يتنفّس الصعداء أخيراً بعد مسيرة حافلة. أمام فرصة حفر اسمه كأوّل أسود يفتك أوسكار أفضل مخرج، إلا أنّ فرصه ليست كبيرة أمام كوارون. الشريط مأخوذ عن أحداث حقيقيّة. الضابط من أصل أفريقي رون ستالوورث ينجح في اختراق منظمة «كو كلوكس كلان» العنصريّة. بيد أنّه زاخر بالتلقين والتوجيه، ولوي عنق الدراما إلى درجة السذاجة أحياناً. مفارقات ومواقف غريبة تمرّ، ليتمكّن الفيلم من الاستمرار. ينتهي بإحالة مباشرة على ترامب، و«جعل أميركا عظيمةً مجدّداً». هذا حاضر أيضاً في Vice (8 ترشيحات) لآدم ماكاي، الذي يتناول الصعود الشيطاني لديك تشيني وعصابته، في أداء استثنائي لكريستيان بايل. ماكاي مجنون سرد كالمعتاد. الوجه الساخر من ظلام لارس فون ترير، مع تنويعات أكثر خفّة. الشريطان الموسيقيّان Bohemian Rhapsody لبريان سينغر، و«ميلاد نجمة» لبرادلي كوبر متوسّطا السويّة عموماً، مع التشديد على الأداء الكبير لرامي مالك في الأوّل. الأميركيّ من أصول مصريّة مبهر في التحوّل إلى فريدي ميركوري روحاً وشكلاً. يكاد يحضر الحفل والأوسكار في جيبه.
الحضور العربي مشابه في طبيعته لما حصل السنة الفائتة. روائي لبناني هو «كفرناحوم» لنادين لبكي في «أفضل فيلم أجنبي»، في تكرار لإنجاز زياد دويري. وثائقيّ سوريّ هو «عن الآباء والأبناء» لطلال ديركي، معيداً رحلة فراس فيّاض عن «آخر الرجال في حلب». شبه مستحيل أن يفعل شريط لبكي الكثير أمام «روما»، و«حرب باردة» لبافليكوفسكي، وصاحب السعفة «سارقو المتاجر» لكوريدا، إلا أنّ الوصول يحسب بالتأكيد لسينمائيّة عربيّة. تسجيلي ديركي يشهد صراعاً صعباً للغاية بدوره، إلا أنّ حظوظه أكبر نسبياً.