الموتى على الأرصفة، بين المباني التي تحمل لافتات مضيئة، والسيارات الأميركية الكبيرة
الضاحية المكسيكية ليست بعيدة إلا في حسابات شركات الطيران. والطبيب في شريط كوارون، ليس مجرّد طبيباً. إنه الطبيب، الزوج، وارث الإقطاع، والمنتفع من سلطة متناسلة بورجوازياً. بالتأكيد، الفيلم يدور حول العاملة الهندية «كليو» وحول «صوفيا»، وهما سيدتان غير متعادلتين في درجة الخضوع، وليس حول الطبيب الكريه. الفيلم يدور حول عدد كبير من الضحايا، وليس حول كليو وصوفيا وحدهما، فضحايا مذبحة «كوربوس كريستي» التي ارتكبها الجيش المكسيكي بالطلاب، ليسوا أشخاصاً من خارج هذا العالم. في تلك الدقيقة بالضبط، نكون قد قطعنا شوطاً طويلاً في «روما». يبدأ الفيلم. تبدأ آثار المذبحة بالظهور. الموتى على الأرصفة، بين المباني التي تحمل لافتات مضيئة، والسيارات الأميركية الكبيرة. بين الضحايا طلاب وعمال. مشاريع مهاجرين. يصوّب الجنود أسلحتهم إلى وجوه الضحايا. وقبل الجنود، تحتفي العائلة البورجوازية بالعنف والمسدسات عند المستنقع. الأبله الذي يمدّ قدماً إلى الأمام، ويعيد الأخرى إلى الخلف، ويضع سيجارةً في فمه، ويندلق كرشه أمامه، ويطلق النار، محتفياً بذكوريته: «أنتن النساء لا تعرفن إطلاق النار»، ليس مجرد أبله. السلاح نفسه يقتل ابنة كليو، ويقتل رحمها. في «روما»، يولد الطفل ميتاً. يموت مِثل الطلاب الآخرين الذين ماتوا في مجزرة الجيش خارجاً. ويمكن تفسير هذا بضرورة إقرار الحق في الإجهاض، ويمكن تفسيره على نحوٍ يميل إلى الظواهرية، بمعنى أن الطفل الذي ولد ميتاً ليس طفلاً واحداً، إنما هو جميع الأطفال. ذلك أن كليو ليست العاملة، أو الخادمة ــ بلغة البيض الدنيئة ــ إنما هي جميع النساء. ويمكن تفسيره على نحوٍ أكثر شمولاً، بأن الطفلة التي ماتت قبل حياتها، هي مِثل الطلاب المقتولين في يوم «كوريوس كريستي»، فهم أيضاً ماتوا قبل أوانهم.
تنضج ذروة الدراما في الفيلم في شوارع «كوربوس كريستي». سرعان ما ترتفع الوتيرة عندما تخرج الطفلة من رحم أمها بقلبٍ معطّل. ويلفون جسدها برداء سريع، ثم تختفي، كما لو أنها لم تكن. وقد يسمّي النقاد هذه «عبثية»، كما لو أن المسألة كلّها لم تكن ضرورية. لكن من الضروري دائماً أن ينتبه الجميع إلى أن المسألة برمّتها تدور حول الحلقات. وأن كليو هي الحلقة الأضعف. عندما تغضب صوفيا من هيمنة زوجها، تهيمن على كليو. عندما تنطلق المذبحة، تموت طفلتها في رحمها. عندما ينتظر مغتصِب أحلامها في عينيها، تستسلم لرعبها. عندما يتبرز الكلب، تسمع كلاماً سيئاً من الطبيب، الذي يلحس براز الكلب بسيارته. حتى عندما يتلصّص باكو الصغير، تصير كليو هي الضحية، كأن هذه هي وظيفتها. يمضي الوقت ولا يزيل الندوب عن خدها، تماماً كما الثقب في زجاج المنزل، الذي أحدثه شجار الأولاد. يتشاجر الأولاد ويكبرون، لكن كليو تكبر أكثر منهم جميعاً. تصير أماً ولكن بلا أطفال. يكبرون وسيغادرون غالباً، وستبقى كليو وحدها، تراقب فرق الكشاف التي تأتي وتذهب، تقرع الطبول المزعجة، وتبشّر بالملل. من بين الكثير الذي يخرج من فم «روما»: البحر ليس الحل. لا تستسلموا. الذين لا يعرفون السباحة، وحدهم يمكنهم أن ينقذوا الأطفال من الغرق.
تتويجات
حصل «روما» (2018 ـــــ كتابة وإخراج ألفونسو كوارون ـــ إنتاج نتفليكس) على جائزة الدب الذهبي في «مهرجان البندقية السينمائي» الـ 75 في آب (أغسطس) الماضي ضمن اختراق مهم تسجّله شركة الستريمينغ العملاقة «نتفليكس». كما حصل المكسيكي ألفونسو كوارون على جائزة «أفضل مخرج» عن فيلم «روما» (نتفليكس) الذي اختير أيضاً «أفضل فيلم أجنبي» ضمن الدورة السادسة والسبعين من احتفال توزيع جوائز «غولدن غلوب» Golden Globes الذي جرى في بيفرلي هيلز يوم الاثنين الماضي.