دمشق | تنحو قناة «أبو ظبي» باتجاه الشخصيات الصوفية لتقديمها ضمن أعمال تلفزيونية رمضانية تندرج ضمن «رؤيتها بتقديم نماذج إسلامية معتدلة حاربها التطرّف في زمنها، وترك الفرصة للمشاهد كي يبني الإسقاطات على زمننا المعاصر من وجهة نظره». هكذا، بدأت المحطة بإعداد العدّة لتكرار تجربتها في إنجاز أعمال في سوريا، على أن تنتج هذه المرة مسلسلاً عن «الحلّاج» (858 ـــ 922). وكالعادة، أسندت مهمة الإشراف الكلي على العمل إلى منتجها ومخرجها الأردني إياد الخزوز الذي وقع خياره على السيناريست السوري خلدون قتلان. لكن بعد إنجاز الأخير عشرين حلقة، فسخ العقد، وأُسندت المهمة إلى الأردني أحمد المغربي، على أن يتولى إخراج العمل مواطنه شعلان الدبس. أعلن خلدون قتلان الخبر على صفحته الشخصية، ثم نشر تعليقاً شرح فيه وصوله إلى اتفاق لفسخ العقد مع الجهة المنتجة، واحتفاظه بحقوق ما كتبه، وإيجاد حلول مرضية للطرفين وإمكانية إنجاز مسلسل جديد مع القناة. ولمعرفة تفاصيل ما حدث، وسبب إقبال المحطات الخليجية على الشخصيات الصوفية في مسلسلاتها، التقت «الأخبار» السيناريست السوري. سألناه في البدء عمّا حصل معه في المسلسل الذي كان ينوي تسميته «إمام القبول»، فأجاب: «بعد المباشرة في كتابة المسلسل الذي يروي سيرة الحلاج، تم إيقافي عن العمل، والسبب أن النص عالي المستوى كما أخبروني. فُسخ العقد مع الشركة المنتجة وعادت إليّ كامل حقوق المؤلف المعنوية». لكن كيف تمكّنت من كتابة 20 حلقة في مدّة لا تتجاوز ثلاثة أشهر رغم الغنى الذي تتمتع به شخصية مثل الحّلاج؟ يرد: «الحلّاج بمثابة صديق يومي لي. عرفته منذ زمن بعيد، وقرأت شعره، وبحثت طويلاً في كتابه «الطواسين». هو مفكر كبير، قدم إجابات شافية عن الكثير من الأسئلة الوجودية المحيّرة، ولذلك لم أجد صعوبة في نقل ذلك الفكر إلى حالة درامية، لأنني بنيت العمل على نظرية الأضداد التي وصل إليها الحلاج منذ زمن بعيد، ففهم الآخر وقَبِل حجته. ومن هنا كان العنوان «إمام القبول»».
مشهد إعدام الحلاج

لكن ما خلفيات تلك الردة الصوفية الدرامية لدى المحطات الفضائية؟ يجيب قتلان: «هي ليست كذلك على الإطلاق. يمكن القول إنها عملية تبييض ملفات. فكما يتم تبييض الأموال غير المشروعة، تُغسل أيضاً الأفكار وتنظَّف وتقدم في إطار جديد. ربما هي محاولة لتلميع الفكر السياسي الذي دعم في مرحلة ما التطرّف الديني. لكن الزي الجديد لهذا الفكر، لن يفقده معناه ومكوّنه الرئيس، ما دام لا يذهب إلى جوهر الفكرة لكن يلامسها فقط».
إذاً هناك أهداف سياسية للمحطة الخليجية وراء إنتاج هذه الاعمال؟ يرد: «هل يعتبر ذلك تهمة؟ أن تقدم القناة توجهها السياسي عبر الدراما التي تنجز بأموالها؟ من الطبيعي أن يحدث ذلك، فالقائمون على «أبو ظبي» يعملون بإخلاص في خدمة توجّه دولتهم. ومن المعروف في السياسة أنّ لا صديق أو عدوّ دائم، لأن الأمر يخضع لمنطق المصالح. ومن المنطقي أن تقدم الدراما التي تنفذ بإشراف المحطة ما يخدم مصالح دولتها. والأمر ليس بغريب ما دمنا شهدنا ذلك في الدراما التركية، وكيف قدمت سلاطينها على أنهم في مستوى الأنبياء، أو قدمت أبطالها على أنهم خارقون. عندما يخوضون نقاشاً سياسياً، تشعر بأن من كتب الحوارات أقلام مخابراتية. الدراما سلاح خطير جداً، ويجب ألا نلوم من يجيد استخدامه لخدمة مصالحه».
لكن يقال إن إنتاج هذه الأعمال يعود إلى رغبة المحطة في إنتاج أعمال عن شخصيات إسلامية تمثّل نموذجاً للاعتدال، وقد حاربها التطرّف حينها؟ يجيب: «على المستوى الفكري صحيح جداً، فنحن في العالم الإسلامي بحاجة إلى تبني الفكر الوسطي، أي فكر أهل الشام، لكن على مستوى التنفيذ ما يهم هو تقديم الاسم فقط بغض النظر عن المحتوى».
أما عن إنتاج هذه الأعمال بأموال خليجية وداخل سوريا، وانعكاس ذلك على الدراما السورية، فيقول: «لا أعتقد أن شيئاً ما سيضرّ بميت، وهنا أقصد الدراما السورية التي شيّعناها منذ أن تخلّت عن مشروعها الفكري. وها نحن الآن نسترجع أطلالها عبر قناة «لنا». والمضحك أن النص الدراميّ هو نص إنسانيّ يصلح للجميع؛ فالدراما حالة إنسانية لا تخضع لشرط شعب أو جماعة، لأن البنية الإنسانية متشابهة في السلوكيات، بغض النظر عن الحالة المدنية الكاذبة، التي نصدّر أنفسنا بها. داخل كل إنسان وحش وشيطان وملاك ونقطة مضيئة تدعى روحاً. نحن الآن بحاجة إلى ولادة جديدة للدراما السورية. وبخصوص التصوير داخل سوريا، بالتأكيد فالأمر سيعود بالنفع المادي على الكثير من العاملين في الدراما السورية».
أخيراً، نسأله عن مصير مسلسل «إمام القبول»، فيوضح: «في الحقيقة توجّهت نحو مسقط رأس الحلّاج، أي إيران. هناك أشخاص مهتمون بسيرة أحد أهم مفكري العالم الإسلامي. ذلك الذي قال «النقطة أصل كل خط»، وعليه كان لا بد لي من الرجوع إلى منشأ تلك النقطة. سوف أضع النص في أمانة «أهل فارس»، فهم يستطيعون التقاط العلم، ولو كان معلّقاً في الثريا».