يبدو أنّ هناك صحوة في هوليوود لمراجعة التاريخ الأميركي، وخصوصاً مرحلة الرقّ. بعد «دجانغو الطليق» (2012) لكوينتن تارنتينو الذي تعرّض لانتقادات بسبب تناوله هذه القضية بـ«هذيان» المخرج الأميركي المعتاد، وفيلم «لينكولن» (2012) الذي ركّز فيه ستيفن سبيلبيرغ على «وثيقة تحرير العبيد» التي شهدها عهد الرئيس الأميركي الـ 16، ها هو «اثنا عشر عاماً من العبودية» (2013 ــــ 134د) يتميّز عن كل الأعمال التي تناولت هذه المرحلة، حتى وصفه الناقد دايفيد دانبي في «ذا نيويوركر» بأنّه «أهم فيلم أنجز عن العبودية الأميركية». يعود ذلك إلى عنصرين: قوّته التعبيرية وأمانته التاريخية.
العمل الذي يطرح في الصالات اللبنانية الأسبوع المقبل، يعدّ الأكثر حظّاً لنيل «الأوسكار» في آذار (مارس) المقبل. المفارقة أنّ بريطانيّاً تولى إخراجه هو ستيف ماكوين، وأدى معظم أدواره ممثلون من أُصول أفريقية، أبرزهم البريطاني شيويتيل إيجيوفور إلى جانب براد بيت. اقتُبس العمل عن السيرة الذاتية لسولومون نورثوب، عازف الكمان الذي اختُطف عام 1841 في واشنطن، وبيعَ في مزاد الرقيق، ليُمضي 12 عاماً من العبودية في مزارع القطن في ولاية لويزيانا في الجنوب الأميركي. الفيلم الذي عُرض أخيراً في «مهرجان لندن السينمائي»، لاقى نقداً لاذعاً وسط ضوضاء الاحتفاء، تلخّص في سؤال جوهري: كيف يُمكن هوليوود أن تنتصرَ لضحايا العبودية؟
يُفتتح الفيلم بمشهد لمجموعة من «العبيد» تحت شمس لويزيانا الحارقة، ووسطهم يظهر «بليت»، الاسم الذي منحهُ السيّد الأبيض لسولومون بعد شرائه من الخاطفين البيض. خلال السنوات الـ12، يتنقل «بليت» بين بضع مزارع قطن، شاهداً على الجرائم التي ارتُكبت بحق أبناء جلدته من الاغتصاب إلى الجلد بالكرباج، إذا أشرقت الشمس، ولم يكن «الزنجي» حاضراً في الحقل، ومن طأطأة الرأس أمام السيّد الأبيض، وهو يقرأ الإنجيل، إلى نظرات زنجي البيت المتشفيّة بزنوج الحقل. وإذا ردّ «الزنجي» بالضرب على إهانات أحد الرجال البيض، كما فعل «بليت»، يكون مصيره الشنق على جذع شجرة، فيما «العبيد» الآخرون يمارسون حياتهم في خلفية المشهد، وهم عاجزون عن مدّ يد العون. وحين يتدخل السيد الأبيض لحماية «بليت» من الموت شنقاً، فإن هدفه ليس الرحمة به، بل الحرص على عدم خسارة أمواله التي استدانها لشرائه.
فيلم «اثنا عشر عاماً من العبودية» زاخرٌ بمشاهد مشغولة بحرفية عالية، وذات مقاربات جمالية، حتى في مشاهد التعذيب القاسية والجلد التي تشدُّ مشاهده وحبكته. مقاربة ماكوين الجمالية يُفسّرها اشتغاله بالفيديو آرت قبل انطلاقته السينمائية. أما المشاهد العنيفة، فتبدو سمة تُميّز أفلامه وأشهرها «جوع» (2008) الذي يصوّر قصّة تعذيب السجناء الإيرلنديين على أيدي الإنكليز. استكشف المخرج البريطاني في «جوع» العذاب النفسي والجسدي للسجن، بينما ذهب في «عار» (2011) إلى الأعماق المظلمة للجنس عند الرجل. وفي «اثنا عشر عاماً من العبودية»، صهر العنصرين بطريقة تضمن عامل الصدمة وتحريك المشاهد.
النقد الأبرز للعمل كان العنف اللامنتهي الذي دفع العديد من مشاهدي الفيلم في الصالات الأميركية إلى المغادرة، كأن العبودية لا تستحق أن تُدان إلّا من خلال هذا الضخّ الهائل من المشاهد العنيفة. قد يختلف المرء أو يتفق مع إبراز العنف كـ«سلاح» للفت الأنظار إلى تجربة العبودية التي يصوّرها العمل كتجربة أميركية، لا لأنها جزء من جريمة ضد الإنسانية ارتُكبت في قارات عدة. لكن ما لا تُغفله العين هو تجاهل الشريط للحركات السياسية السوداء في تلك المرحلة. هنا، لا يختلف تصوير «اثنا عشر عاماً من العبودية» عن التصورات الشائعة للأفارقة «العبيد» في أفلام هوليوود (والسينما الغربية عموماً؟). هكذا يصوّر العمل «بليت» وأشقاءه في العذاب، بلا حولٍ ولا قوّة، يقاومون بالحكايات حول نار المساء، يقاومون بالغناء المعذّب في الحقل، وبصنع دُمى من القش تُسلّيهم وتحفظ إنسانيّتهم. هذه الصورة ترتاح لها هوليوود: زنوج لا يُناضلون إلا عبر الأحلام والغناء، زنوج مجرّدون من الفعل الجماعي.
وإذا كان هناك من حنين إلى هذا «الزنجي»، فسيكون لأوراق حريّته. نلمس هذا في حنين «بليت» إلى اسمه الحقيقي سولومون نورثوب في مشاهد الفيلم، حين كان يتمتع بـ«المساواة» مع الرجل الأبيض في المجتمع الأرستقراطي، الذي اشتهر فيه كعازف كمان. لا يسعُ المشاهد إلا أن يُدهش من فيلم عن العبودية لا ذكر فيه لأفريقيا، ولا حنين لها. وكيف يمكن مَن ذاق العبودية ألّا يحنَّ إلى تلك «الجذور»؟

* بدءاً من الخميس المقبل في الصالات اللبنانية: Years a Slave 12




ملصق عنصري!

قبل أسابيع، فرضت شركة الإنتاج الأميركية «ليونزغيت» على الصالات الإيطالية سحب ملصق فيلم «اثنا عشر عاماً من العبودية» بعدما عدّه العديد من المراقبين عنصرياً. والسبب أنّ الملصق الإيطالي للفيلم تصدرته صورة براد بيت ومايكل فاسبيندر اللذين لا يؤديان سوى دورين ثانويين على حساب بطله شيويتيل إيجيوفور الذي وردت صورته في أسفل الملصق. علماً بأنّ الملصق الأميركي والفرنسي يحتله شيويتيل إيجيوفور دون غيره من الممثلين. ورأى المراقبون أنّ الموزع الإيطالي للفيلم (BMI) هدف في ملصقه إلى شدّ المشاهد عبر وضع صورة نجمين معروفين كبراد بيت ومايكل فاسبيندر أكثر من كون المسألة تتعلق بالعنصرية. يذكر أن الفيلم الذي كلف إنتاجه 20 مليون دولار قد تمكن من تحقيق 37 مليون دولار في أمريكا الشمالية وحدها. ومن المنتظر أن تصدر شركة الإنتاج نسخة جديدة بعد إعلان أسماء المرشحين لجوائز الأوسكار (والمقرر الإفصاح عنها في 16 كانون الثاني/ يناير المقبل) أملاً في أن تساعد ترشيحات الفيلم لبعض الجوائز في زيادة إيراداته.