يصدر قريباً في أميركا و«إسرائيل» كتاب لصحافي إسرائيلي (وهو كاتب في مجلة «نيويورك تايمز») بعنوان «انهض واقتل أوّلاً: التاريخ السرّي لاغتيالات إسرائيل المُوجَّهة». الكتاب يُجمِّل كالعادة إرهاب إسرائيل وهو يصف عمليّات التفجير بالسيّارات المفخّخة والقصف الجوّي وتدمير أبنية سكنيّة بحالها في بيروت الغربيّة ــ كما حدث في صيف ١٩٨٢ ــ على أنها عمليّات «موجّهة»، أي عمليّات نظيفة لا تستهدف إلا رجلاً واحداً فقط، فيما هي قتلت المئات والآلاف من المدنيّين والمدنيّات في هذا النوع من الإرهاب.
لكن الكتاب يكشف للمرّة الأولى ما كنّا نشك فيه: هو أنّ العدوّ أنشأ المنظمة التي عرفناها في سنوات الحرب الأهليّة باسم «جبهة تحرير لبنان من الغرباء».
يورد الكتاب في المقطع الذي نشرته «نيويورك تايمز» عن ذلك: «بعد مجزرة نهاريا، أعطى رفّول إيتان، جنرال الجيش الإسرائيلي، قائد المنطقة، أفغدور بن-غال أمراً بسيطاً: «اقتلهم جميعاً»، أي أعضاء منظمة التحرير الفلسطينيّة وكل مَن يرتبط بهم في لبنان. وبمباركة إيتان، عيّن بن-غال الرجل الذي كان يُعتبر الخبير الأوّل في الجيش للعمليّات الخاصّة، مئير داغان، لقيادة الجنود في جنوب لبنان. الثلاثة شكّلوا «جبهة تحرير لبنان من الغرباء». الذي عاشَ سنوات الحرب الأهليّة يذكر هذه المنظمة ويذكر جرائمها. ويذكر الذي عاصر تلك الفترة من الحرب أن الإعلام الغربي والمحلّي كان يوحي بأن هذه المنظمة هي منظمة لبنانيّة وأنّ العدوّ لا علاقة له بها وبجرائمها. ولا يذكر الكتاب أنّ المنظمة تخصّصت في عمليّات تفجير السيّارات المفخّخة في الأحياء المكتظّة في الجنوب وفي بيروت الغربيّة. وكان العدوّ الاسرائيلي ينسّق الإرهاب هذا مع الإذاعة التي كانت مموّلة ومُشغّلة ومُسيّرة من قبل العدوّ نفسه، أي «صوت لبنان» التابعة لحزب الكتائب اللبنانيّة. كانت تلك الإذاعة تبثّ إعلانات وبيانات المنظمة المذكورة بعد دقائق فقط من كل تفجير. كما أنّ عبارة «الغرباء» التي ترد في اسم المنظمة الإرهابيّة الاسرائيليّة، تفضح التسيير الإسرائيلي لحزب الكتائب وباقي ميليشيات اليمين التي كانت منذ بداية الحرب الأهليّة تشير إلى الفلسطينيين بـ«الغرباء». هذا فصل آخر من أسانيد جديدة أن ميليشيات اليمين التي فجّرت الحرب الأهليّة في لبنان (بالتنسيق مع التحالف الأميركي ــ الإسرائيلي) كانت تنفّذ مخطّطاً لم تكن هي فيه أكثر من أداة طيّعة وذليلة ــ وإن مُجرمة وإرهابيّة.