اختُتم مساء السبت «مهرجان وادي الحجير» الفنّي بأمسية موسيقية، غنائية وإنشادية أحيتها أوركسترا «شمس الحرية» وجوقة منشدين ومغنين منفردين بقيادة المايسترو علي باجوق. المهرجان الجنوبي الذي تنظّمه «الجمعية اللبنانية للفنون ــ رسالات» بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل عامل ووزارة السياحة، انطلق في 20 آب (أغسطس) المنصرم ببرنامجٍ من ثلاثة مواعيد (مساء كل سبت). أي أنه يشبه، في الشكل، المهرجانات الصيفية التي انتشرت في المناطق أخيراً، في حين أن مضمونه (الموسيقي البحت وليس الديني أو الحزبي) أتى على نقيض الفن الاستهلاكي، التجاري، الركيك، الموَتِّر، الهابط، المسيء إلى الذائقة العامة والخطير على المجتمع (عذراً على الإكثار من هذه العبارات القاسية، لكن الوضع ما عاد يحتمل المسايرة). ونقيض صفات هذه الشلّة التي تروِّج لها المهرجانات تلك، لا يعني أن مضمون «مهرجان وادي الحجير» عظيم موسيقياً كنتيجة فنية. المضمون هنا يطال أولاً النيّة في التعاطي مع الموسيقى بجدية وباحترام. أمّا النتيجة الفنية، فهي في طور التطوّر، وبشكل ملحوظ، رغم القيود الدينية الشرعية التي يفرضها «حزب الله» على الموسيقى والمغنى (وهي بالمناسبة أقل صلابة من ذي قبل.
«زهرة المدائن» كانت الحلقة الأقوى لناحية الأداء
هذا جيد، لكن غير كافٍ)، ورغم الإمكانات والخبرات. إنه إذاً مهرجان له ضوابطه ويجب التعاطي معه على هذا الأساس، حتى لناحية النقد الموسيقي. بمعنى آخر، إذا كانت الشلّة المذكورة آنفاً «تحت» النقد إذا صح التعبير (بمعنى أن ليس عندها موسيقى لتخضع لنقدٍ موسيقي)، فإن «مهرجان وادي الحجير» يستأهل النقد. لا يمكننا تناول الأمسيتَين الماضيتَين بداعي غيابنا عنهما. لكن سنتناول باختصار أمسية أوركسترا «شمس الحرية» بمعايير نقدية مخفَّفة، تشجيعية إن أردتم. المعايير الموضوعية من شأنها أن تبدو قاسية ومجحفة بحقّ الجهود المبذولة لمحاولة النهوض بمشروع ثقافي. أي، أمسية السبت لم تكن عظيمة، لكن كانت أفضل ممّا توقّعنا. فالأخطاء والثغرات تبقى مزعجة في طبيعة الحال، لكن اللحظات الموفّقة يصبح مفعولها الإيجابي، هنا، مضاعفاً.في مستهل الأمسية، ألقى مدير عام «رسالات» محمد كوثراني، كلمة ترحيبية بالحضور، مشيراً إلى دور وأهمية الثقافة. كلمةٌ شديدة الأهمية والعمق، شابتها ثغرة وحيدة، قاسية، لا مجال لمناقشتها اليوم، لكن لا نستطيع عدم الإشارة إلى وجودها. من جهتنا، لنا بهذا الرجل كلمة: إن أراد وطننا العزيز أن يرتقي أخلاقياً (وهذا يجر معه ارتقاء على جميع الأصعدة) من خلال الثقافة، فعلى كل حزب وكل بلدية وكل وزارة معنية أن يكون لها محمد كوثراني خاص بها، ولو اختلفت جذرياً الخلفيات الاجتماعية والفكرية والثقافية والحزبية بين «كوثراني» وآخر. فالـ «كوثراني» القواتيّ، والـ «كوثراني» الشيوعي، و«كوثراني» وزارة الثقافة، إلخ… هم الذين سينهضون بلبنان بثقافات مختلفة، حدّ التناقض أحياناً، لكن كلّها تحترم الإنسان.
أراد المنظمون أن تكون الأمسية انعكاساً موسيقياً لثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، ضمت الأوركسترا موسيقيين من الجيش اللبناني (الجيش) وآخرين من الأوركسترا الوطنية اللبناني والأوركسترا الوطنية السورية (الشعبـ «ان»!) وأوركسترا كشافة المهدي (المقاومة). كذلك، عكس البرنامج هذه الفكرة، فاستهلت الأمسية بـ «يا حرّية» (بدون كلام وبتوزيع العميد جورج حرّو) للأخوين رحباني، وكانت الحلقة الأضعف موسيقياً (إنه عملٌ صعب وكان من الأفضل تحاشيه). للأخوين رحباني أيضاً أدت الجوقة والمغني المنفرد أحمد همداني «زهرة المدائن»، وكانت الحلقة الأقوى لناحية الأداء (معطوفاً على صعوبة العمل). سمعنا أيضاً أناشيد حزبية (هنا يكون دائماً الأداء جيداً، للسهولة النسبية في تركيبة الموسيقى) و«لبنان يا قطعة سما» و«يا أهل الأرض» وترنيمة «أعطنا ربّي» (أداء محترم لشادي عيدموني) و«موطني» (مهدي كلّاس) و«تسلم يا عسكر لبنان» (محمد محيدلي) و«صرخة ثائر» (الجوقة — التي كان أداؤها ممتازاً حيثما شاركت).
يا حاج كوثراني ويا حزب الله، متى نسمع من «شمس الحرية» أعمالاً لموزار؟ الجنوب بحاجة إليه، جيشاً وشعباً ومقاومةً وأزهاراً وفراشات.